خارجة من الحظر، وتبقى التماثيل المجسّمة للحيوان على هيئته الكاملة محظورات، وهي التي تكون مرادة من النص.
وهذا تأويل قريب بالنسبة للتأويلات الأخرى، كتأويل من يحمل
«لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة»
على بيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خاصة، وكتأويل من يقول : إنّ معنى
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«المصورون يعذّبون»
وما ماثله في المعنى : أن المراد من يجعلون للّه صورة، فإن هذه تأويلات بعيدة، فلا دليل على التخصيص بالنسبة للأول، ولا يتفق مع بقية الأحاديث والأخبار بالنسبة للثاني.
بقيت الأحاديث المتعارضة فيما كان رقما في ثوب، وما ماثله من الرسوم التي لا ظلّ لها، فقد روي في بعض الروايات عدم دخول الملائكة بيتا يحوي الكلب أو الصورة بإطلاق، وفي بعضها استثناء الرقم في الثوب، وفي بعضها أنه رأى صورة الطائر في ثوب اتّخذ ساترا، فهتكه، أو فغضب، وقال : إنا لم نؤمر بكسوة الحجر والطين، وفي بعضها أنّ أصحاب هذه الصور يعذّبون، وكل هذه الروايات تعارض الرواية التي فيها استثناء الرقم في الثوب، وتوافق الروايات التي جائت بالإطلاق، ولكنّا نقول : إنّ الجمع بينها ممكن، إذ من الممكن أن يقال : إنّه غضب لمّا رأى الصورة معلقة أمام المارّة يستقبلونها، فربما أشعر وضعها هذا بتعظيمها، ولو كانت على غير هذا الوضع، ووضعت للاستعمال فلا بأس. وقد ارتفق بها وسادة.
وأما تأويل ابن العربي التوسد بأن الصورة خرجت عن هيئتها، فلم يوجد في الأحاديث ما يدلّ عليه.
ويؤيّد هذا المعنى حديث الصورة التي كانت أمامه في الصلاة، فأمر بإزاحتها قائلا :«كلّما رأيتها تذكّرت الدنيا» يعني أنّ هذا نوع من الزينة التي تشغل البال.
وكذلك يدلّ استعماله للوسادة التي اتّخذت من الساتر الذي كان فيه الصورة، وأمر بإزاحته، على أنّ المدار في النهي عن الصور والتنفير منها : ألا تتّخذ فتعظّم، فإنّ ذاك قد يجرّ إلى عبادتها، فالنهي عنها من باب سد الذرائع، فإن انتفى أن تكون الصورة في وضع يشعر بالتعظيم، وانتفى قصد التعظيم، فقد زال النهي، كما دلّ على ذلك فعل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وارتفاقه بالوسائد التي فيها الصور.
ولعلّك تقول : ما دام الأمر كذلك فلنطرد الباب على وتيرة واحدة، فنجري الكلام في التماثيل المجسمة لذي الروح على هذا الوجه، فنقول : فرق بين هذه وهذه، فإنّ الصورة المجسّمة تبقى عصورا طويلة، وقد يفضي التقادم إلى نسيان المعنى الأصلي من اتخاذها، وينقلب الناس يعبدونها، ويعكفون عليها.
قال ابن العربي : والذي أوجب النهي في شريعتنا - واللّه أعلم - ما كانت عليه


الصفحة التالية
Icon