وأن أمما بطرت معيشتها، فكان أول ما فعلت: مخاصمة الوحى، ومعاداة الرسل، والزعم بأن ما لديهم يكفى ويشفى!! " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ". وإذا كان المال فتنة الأمم الأولى، فقد بقى فتنة الأمم
المعاصرة. وبدل أن يحسن الواجدون التصرف فيما أوتوا، طغوا على الفقراء والضعفاء، فنشأت مذاهب اجتماعية تستأصل حق التملك، ونشبت الحروب بين شتى الطبقات. وعند التأمل، نجد العراك على الحطام الفانى، ونرى أن معالم الدين قد اختفت، وزادت الآفاق ظلمة، ونشأت فلسفات تعبد الحياة وتنسى الآخرة.. ولا نجاة إلا بالعودة إلى الدين الحق. " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ". وبعد هذه القصص والإفادة من سردها، استأنف النظم الكريم سرد شبهات الجاهليين للقضاء عليها. وهنا نرى لونا من أدب الجدال لا نظير له! يتنزل فيه عارض الحق إلى مستوى خصمه، ويناشده أن يعى وأن يقبل الصواب " قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". من الجدير بالعبادة: الرازق أم المرزوق؟ إن آلهتكم أحجار لا تعى! فكيف يلتمس لديها رزق؟ أحدنا يخطئ لا محالة! ترى من يكون؟ وبعد إرخاء العنان للخصم على هذا النحو، زاد المشركين تخجيلا عندما قال "قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم.. ". وجاء فى هذه السورة حوار بين الرؤساء والأتباع، وهو حوار تكرر فى سور كثيرة ليكشف العلاقة الرخيصة بين بعض الناس وبعض آخر. هناك من يحبون لص الناس حولهم، وخفق الأقدام وراءهم على نحو ما قال الشاعر: ترى الناس إن سرنا يسيرون حولنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا وهناك من


الصفحة التالية
Icon