تقطع الواحدة حتى ترى الأخرى "وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ" بحيث جعلنا بين كل قرية وقرية مرحلة صغيرة تقدر باعتبار مشي الأقدام والإبل بأربعة فراسخ أي بريد واحد، وقد اختلف في تقديره فمنهم من قال ساعة ونصف، ومنهم من قال ساعة واحدة، وعلى كل فالفرسخ ثلاثة أميال والميل ألف باع والباع أربعة أذرع بذراع العامة وهذه على أكثر تعديل تكون ستة ساعات بسير الأقدام والإبل وأربعة بسير البغال والخيل وتقطع بساعتين أيضا، وقلنا لهم "سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ ١٩" من الجوع والعطش والعدوان فبطروا وجحدوا هذه النعم وسئموا الراحة التي عزّ طلبها على غيرهم ولم يصبروا على السعة والعافية التي يتوق إليها كل مخلوق "فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا" فهو أجدر أن نشتهيها ونتزود للسفر إليها من الزاد والراحلة، فعجل اللّه لهم الإجابة "وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" بهذا الدعاء وطلب المشقة بطرا ففعلنا بهم ما فعلنا "فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ" لمن بعدهم يتحدثون بشأنهم وعبرة يعتبرون بهم وعظة لغيرهم "وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ" بأن فرقناهم وبدّدناهم في البوادي والقفار وشتتنا شملهم فذهب الأزد إلى عمان وخزاعة إلى تهامة والأوس والخزرج إلى يثرب
وآل خزيمة للعراق ولحقت فرقة منهم إلى الشام فنزلوا على ماء يدعى غسّان فسموا الغساسنة، وهم فرقة من الأزد ومنهم بنو جفنه رهط الملوك "إِنَّ فِي ذلِكَ" المذكور في قصتهم "لَآياتٍ" عظيمات وعبر جسيمات ودلائل باهرات "لِكُلِّ صَبَّارٍ" عن لذات المعاصي وعشاق الطاعات "شَكُورٍ ٢٠" نعم اللّه عليه قلّت أو كثرت وسجية المؤمن الصادق الصبر على البلاء والشكر على النعماء فإذا ابتلي صبر ورضي وإذا أعطي شكر وتصدق.
مطلب تصديق ظن إبليس وبحث نفسي في قوله تعالى ماذا قال ربكم :


الصفحة التالية
Icon