قال تعالى "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فإن لم يجيبوك يا محمد بأن الذي يرزقنا هو اللّه فبادرهم أنت و"قُلِ اللَّهُ" الذي يرزق أهل السموات والأرض من إنسان وحيوان وطير وحوت وغيرها وقل لهم أيضا إذا لم يقلعوا عن محاججتك على طريق الإرشاد في المناظرة "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً" لفظ هدى يعود للضمير الأول على حضرة الرسول "أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" ٢٤ ولفظ الضلال يعود إلى الضمير الآخر العائد للكفرة على سبيل اللف والنشر المرتب، وهذا الكلام على جهة الإلزام والإنصات في المحاجة كما تقول لمجادلك أحدنا كاذب لا على طريق الشك، لأن حضرة الرسول يعلم حقا بأنه ومن اتبعه على هدى من اللّه وأن من خالفه وجحد ما جاء به في ضلال وهو من قبيل التعريض ليكون أوصل للغرض وأوفى بالمقصود من غير تصريح بتعنيف الخصم وهذا شأن المنصف المهذب وعليه قول حسان :
أتهجوه ولست له بكفء فشرّ كما لخيركما الفداء
وإن ما جرينا عليه من قول من قال إن أو هنا بمعنى الواو أي إني لعلى هدى وإنكم على ضلال لأن اختلاف حرف الجر قد أدى بالمطلوب لأن المهتدي مستعل فأدخل عليه على المفيدة للاستعلاء والمضل منغمس في الظلمة فأدخل عليه في المؤدية لذلك، وإنما قلنا إن هذا شأن المنصف في المجادلة لأنه لو قال لهم رأسا أنتم ضلال مبطلون لأنماظهم وصيرهم إلى العناد وجرأهم للمقابلة فيردون عليه بأغلظ رد لما هم عليه من السفاهة، ولفات الغرض المقصود من استجلابهم لما يريده منهم من سلوك سبيله، والعقل يحكم بأن تكون المناظرة على الوجه الأحسن للانقياد وطريقة اللف والنشر
المرتب من بديع الكلام وفصيحه وكثيرا ما تستعمله العرب في أقوالها وتستعذبه قال امرؤ القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ومنه قوله :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس في الرجل


الصفحة التالية
Icon