مما مني به من قومه من التكذيب بما جاءهم به والاستهزاء بحضرته العالية وإن ما قاله فيه أهل مكة قاله الأمم السالفة لأنبيائهم وزيادة، راجع الآية ١١٨ من سورة البقرة في ج ٣ إذ لم ينفرد هو وحده بذلك كما أن قومه لم يبتدعوا تلك الأقوال والأفعال الشائنة بل إنهم قلدوا من قبلهم ليهون عليهم ما يلاقيه منهم "وَقالُوا" أيضا أولئك المترفون الذين غرّهم المال والجاه والولد متبجحين على المؤمنين وغيرهم
"نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً" من أتباع الرسل المساكين ولو لم يكن ما نحن عليه من الدين مرضيا لما منحنا اللّه هذه النعم المترادفة ولهذا نقول لكم "وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ٣٥" في الآخرة أيضا إذا كانت هناك آخرة كما تزعمون لأنا لسنا مذلولين في الدنيا، قال تعالى ردا عليهم "قُلْ" يا محمد لهؤلاء المغبونين بما لديهم من حطام الدنيا "إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ" يضيق على من يشاء وليس سعة الرزق دليل على الرضى كما زعمتم كما أنه ليس في ضيقه امارة على الغضب "وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ٣٦" ذلك ومنهم من تجبّر واعترض على اللّه تعالى في البسط على أناس والضيق على آخرين كابن الراوندي إذ قال :
كم عالم عالم أعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة وصيّر العالم النحرير زنديقا
أي كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم قائلا لو كان له الوجود لما كان الأمر كذلك فلا حول ولا قوة إلا باللّه وهو في هذا القول البذيء يعني نفسه والقائل بقوله لا كل عالم فالعالم العاقل هو من يقول :
ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
والأكثر الذي عليه الناس الآن فيما قبل وبعد واللّه أعلم عدم الاجتماع بين العلم والمال غالبا قال الشافعي رحمه اللّه :
فمن أعطى الحجى حرم الغنى ضدان يفترقان أي تفرق


الصفحة التالية
Icon