الحكمة هي العلم الذي يتصل به الفعل فإن من يعلم أمراً ولم يأت بما يناسب علمه لا يقال له حكيم، فالفاعل الذي فعله على وفق العلم هو الحكيم، والخبير هو الذي يعلم عواقب الأمور وبواطنها فقوله :( حَكِيمٌ ) أي في الابتداء يخلق كما ينبغي وخبير أي بالانتهاء يعلم ماذا يصدر من المخلوق وما لا يصدر إلى ماذا يكون مصير كل أحد فهو حكيم في الابتداء خبير في الانتهاء.
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢)
ما يلج في الأرض من الحبة والأموات ويخرج منها من السنابل والأحياء وما ينزل من السماء من أنواع رحمته منها المطر ومنها الملائكة ومنها القرآن، وما يعرج فيها منها الكلم الطيب لقوله تعالى :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب﴾ ومنها الأرواح ومنها الأعمال الصالحة لقوله :﴿والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾ [ فاطر : ١٠ ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء، لأن الحبة تبذر أولاً ثم تسقى ثانياً.
المسألة الثانية :
قال ﴿وما يعرج فيها﴾ ولم يقل يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة ومرتبة النفوس الزكية وهذا لأن كلمة إلى للغاية، فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال :﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ ليفهم نفوذها فيها وصعودها منها ولهذا قال في الكلم الطيب :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب﴾ لأن الله هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه، وأما السماء فهي دنيا وفوقها المنتهى.
المسألة الثالثة :
قال :﴿وَهُوَ الرحيم الغفور﴾ رحيم بالإنزال حيث ينزل الرزق من السماء، غفور عندما تعرج إليه الأرواح والأعمال فرحم أولاً بالإنزال وغفر ثانياً عند العروج. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٥ صـ ٢٠٦ ـ ٢٠٨﴾


الصفحة التالية
Icon