ولما كان الحاكم لا يهمل رعيته إلا إذا غابوا من علمه، ولا يهمل شيئاً من أحوالهم إلا إذا غاب عنه ذلك الشيء، وكانت الساعة من عالم الغيب، وكان ما تقدم من إثبات العلم ربما خصه متعنت بعالم الشهادة، وصف ذاته الأقدس سبحانه بما بين أنه لا فرق عنده بين الغيب الذي الساعة منه والشهادة، بل الكل عنده شهادة، وللعناية بهذا المعنى يقدم الغيب إذا جمعا في الذكر، فقال مبيناً عظمة المقسم به ليفيد حقية المقسم عليه لأن القسم بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعباً وأبين فضلاً وأرفع منزلة كان في الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ، واصفاً له على قراءة الجماعة ومستأنفاً، - وهو أبلغ - على قراءة المدنيين وابن عامر ورويس عن يعقوب بالرفع :﴿عالم الغيب﴾ وقراءة حمزة والكسائي " علام " بصيغة المبالغة كما هو أليق بالموضع.
ولما كنا القصور علمنا متقيدين بما في هذا الكون مع أن الكلام فيه، قال مصرحاً بالمقصود على أتم وجه :﴿لا يعزب﴾ - أي يغيب ويبعد عزوباً قوياً - على قراءة الجماعة بالضم، ولا ضعيفاً - على قراءة الكسائي بالكسر ﴿عنه مثقال ذرة﴾ أي من ذات ولا معنى، والذرة نملة حمراء صغيرة جداً صارت مثلاً في أقل القليل فهي كناية عنه.
ولما كان في هذه السورة السباق للحمد، وهو الكمال وجهة العلو به أوفق ولأمر الساعة ومبدأه منها بدأ بها.


الصفحة التالية
Icon