وقال ابن عاشور :
﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالم الغيب لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾.
كان ذكر ما يلج في الأرض وما يخرج منها مشعراً بحال الموتى عند ولوجهم القبور وعند نشرهم منها كما قال تعالى :﴿ ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً ﴾ [ المرسلات : ٢٥، ٢٦ ] وقال :﴿ يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير ﴾ [ ق : ٤٤ ]، وكان ذكر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها مومياً إلى عروج الأرواح عند مفارقة الأجساد ونزول الأرواح لتُرَدّ إلى الأجساد التي تعاد يوم القيامة، فكان ذلك مع ما تقدم من قوله :﴿ وله الحمد في الآخرة ﴾ [ سبأ : ١ ] مناسبة للتخلص إلى ذكر إنكار المشركين الحشر لأن إبطال زعمهم من أهم مقاصد هذه السورة، فكان التخلص بقوله :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ﴾، فالواو اعتراضية للاستطراد وهي في الأصل واو عطف الجملة المعترضة على ما قبلها من الكلام.
ولما لم تفد إلا التشريك في الذكر دون الحكم دعوها بالواو الاعتراضية وليست هنا للعطف لعدم التناسب بين الجملتين وإنما جاءت المناسبة من أجزاء الجملة الأولى فكانت الثانية استطراداً واعتراضاً، وتقدم آنفاً ما قيل : إن هذه المقالة كانت سبب نزول السورة.
وتعريف المسند إليه بالموصولية لأن هذا الموصول صار كالعَلَم بالغلبة على المشركين في اصطلاح القرآن وتعارف المسلمين.
و﴿ الساعة ﴾ : عَلَم بالغلبة في القرآن على يوم القيامة وساعة الحشر.
وعبر عن انتفاء وقوعها بانتفاء إتيانها على طريق الكناية لأنها لو كانت واقعة لأتت، لأن وقوعها هو إتيانها.
وضمير المتكلم المشارك مراد به جميع الناس.
ولقد لقن الله نبيئه ﷺ الجواب عن قول الكافرين بالإِبطال المؤكد على عادة إرشاد القرآن في انتهاز الفرص لتبليغ العقائد.


الصفحة التالية
Icon