﴿ عالمُ الغيب ﴾ خبر ثان عن ضمير الجلالة في قوله :﴿ وهو الحكيم الخبير ﴾ [ سبأ : ١ ] في قراءة من قرأه بالرفع، وصفة ل ﴿ ربي ﴾ المقسم به في قراءة من قرأه بالجر وقد اقتضت ذكرَه مناسبةُ تحقيق إتيان الساعة فإن وقتها وأحوالها من الأمور المغيبة في علم الناس.
وفي هذه الصفة إتمام لتبين سعة علمه تعالى فبعد أن ذُكرت إحاطة علمه بالكائنات ظاهرها وخفيّها جليلها ودقيقها في سورة البقرة أتبع بإحاطة علمه بما سيكون أنه يكون ومتى يكون.
والغيب تقدم في قوله :﴿ الذين يؤمنون بالغيب ﴾ [ البقرة : ٣ ] على معان ذكرت هنالك.
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ورويس عن يعقوب ﴿ عالمُ الغيب ﴾ بصيغة اسم الفاعل، وبرفع ﴿ عالمُ ﴾ على القطع.
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وخلف وروح عن يعقوب بصيغة اسم الفاعل أيضاً ومجروراً على الصفة لاسم الجلالة في قوله :﴿ ربّي ﴾.
وقرأ حمزة والكسائي ﴿ علاّم ﴾ بصيغة المبالغة وبالجر على النعت.
وقد تكرر في القرآن إتباع ذكر الساعة بذكر انفراده تعالى بعلمها لأن الكافرين بها جعلوا من عدم العلم بها دليلاً سفسطائياً على أنها ليست بواقعة، ولذلك سماها القرآن الواقِعة في قوله :﴿ إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة ﴾ [ الواقعة : ١، ٢ ].
والعزوب : الخفاء.
ومادته تحوم حول معاني البعد عن النظر وفي مضارعه ضم العين وكسرها.
قرأ الجمهور بضم الزاي، وقرأه الكسائي بكسر الزاي ومعنى ﴿ لا يعزب عنه ﴾ : لا يعزب عن علمه.
وقد تقدم في سورة يونس ﴿ وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ﴾ ٦١ ).
وتقدم مثقال الحبة في سورة الأنبياء ﴿ وإن كان مثقال حبة من خردل ﴾ ( ٤٧ ).
وأشار بقوله : مثقال ذرة } إلى تقريب إمكان الحشر لأن الكافرين أحالوه بعلة أن الأجساد تصير رُفاتاً وتراباً فلا تمكن إعادتها فنبهوا إلى أن علم الله محيط بأجزائها.