عطف على ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ [ سبأ : ٤ ] وهو مقابل جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالمراد بالذين سَعوا في الآيات الذين كفروا، عدل عن جعل صلة اسم الموصول ﴿ كفروا ﴾ [ سبأ : ٣ ] لتصلح الجملة أن تكون تمهيداً لإِبطال قول المشركين في الرسول ﷺ ﴿ أفترى على الله كذباً أم به جنة ﴾ [ سبأ : ٨ ]، لأن قولهم ذلك كناية عن بطلان ما جاءهم به من القرآن في زعمهم فكان جديراً بأن يمهد لإِبطاله بشهادة أهل العلم بأن ما جاء به الرسول هو الحق دون غيره من باطل أهل الشرك الجاهلين، فعطف هذه الجملة من عطف الأغراض، وهذه طريقة في إبطال شُبَه أهل الضلالة والملاحدة بأن يقدم قبل ذكر الشبهة ما يقابلها من إبطالها، وربما سلك أهل الجدل طريقة أخرى هي تقديم الشبهة ثم الكرور عليها بالإِبطال وهي طريقة عضد الدين في كتاب "المواقف"، وقد كان بعض أشياخنا يحكي انتقاد كثير من أهل العلم طريقته فلذلك خالفها التفتازاني في كتاب "المقاصد".
والحق أن الطريقتين جادّتان وقد سُلكتا في القرآن.
ويجوز أن تكون جملة ﴿ ويرى الذين أوتوا العلم ﴾ عطفاً على جملة ﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين ﴾ [ سبأ : ٥ ] فبعد أن أوردت جملة ﴿ والذين سعوا ﴾ لمقابلة جملة ﴿ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ [ سبأ : ٤ ] الخ اعتبرت مقصوداً من جهة أخرى فكانت بحاجة إلى رد مضمونها بجملة ﴿ ويرى الذين أوتوا العلم ﴾ للإِشارة إلى أن الذين سعوا في الآيات أهل جهالة فيكون ذكرها بعدها تعقيباً للشبهة بما يبطلها وهي الطريقة الأخرى.
والرؤية علمية.
واختير فعل الرؤية هنا دون ( ويعلم ) للتنبيه على أنه علم يقيني بمنزلة العِلم بالمرئيات التي علمها ضروري، ومفعولا ( يرى ) ﴿ الذي أنزل ﴾ و ﴿ الحق ﴾.