واعلم أن الله تعالى ذكر ثلاثة أشياء في حق داود وثلاثة في حق سليمان عليهما الصلاة والسلام فالجبال المسخرة لداود من جنس تسخير الريح لسليمان، وذلك لأن الثقيل مع ما هو أخف منه إذا تحركا يسبق الخفيف الثقيل ويبقى الثقيل مكانه، لكن الجبال كانت أثقل من الآدمي والآدمي أثقل من الريح فقدر الله أن سار الثقيل مع الخفيف أي الجبال مع داود على ما قلنا :﴿أَوّبِى﴾ أي سيري وسليمان وجنوده مع الريح الثقيل مع الخفيف أيضاً، والطير من جنس تسخير الجن لأنهما لا يجتمعان مع الإنسان ؛ الطير لنفوره من الإنس والإنس لنفوره من الجن، فإن الإنسان يتقي مواضع الجن، والجن يطلب أبداً اصطياد الإنسان والإنسان يطلب اصطياد الطير فقدر الله أن صار الطير لا ينفر من داود بل يستأنس به ويطلبه، وسليمان لا ينفر من الجن بل يسخره ويستخدمه وأما القطر والحديد فتجاذبهما غير خفي وههنا لطيفة : وهي أن الآدمي ينبغي أن يتقي الجن ويجتنبه والاجتماع به يفضي إلى المفسدة ولهذا قال تعالى :﴿أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين * وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ [ المؤمنون : ٩٧، ٩٨ ] فكيف طلب سليمان الاجتماع بهم فنقول قوله تعالى :﴿مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ إشارة إلى أن ذلك الحضور لم يكن فيه مفسدة ولطيفة أخرى : وهي أن الله تعالى قال ههنا :﴿بِإِذْنِ رَبّهِ﴾ بلفظ الرب وقال :﴿وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾ ولم يقل عن أمر ربه، وذلك لأن الرب لفظ ينبىء عن الرحمة، فعندما كانت الإشارة إلى حفظ سليمان عليه السلام قال :﴿رَبِهِ﴾ وعندما كانت الإشارة إلى تعذيبهم قال :﴿عَنْ أَمْرِنَا﴾ بلفظ التعظيم الموجب لزيادة الخوف وقوله تعالى :﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير﴾ فيه وجهان أحدهما : أن الملائكة كانوا موكلين بهم وبأيديهم مقارع من نار فالإشارة إليه وثانيهما : أن السعير هو ما يكون في الآخرة فأوعدهم بما في الآخرة من