﴿ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله﴾ [ الزمر : ٥٣ ] وقوله :﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان﴾ [ الإسراء : ٦٥ ] فإن قيل على ما ذكرتم شكر الله بتمامه لا يمكن وقوله :﴿قَلِيلٌ﴾ يدل على أن في عباده من هو شاكر لأنعمه، نقول الشكر بقدر الطاقة البشرية هو الواقع وقليل فاعله، وأما الشكر الذي يناسب نعم الله فلا قدرة عليه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أو نقول الشاكر التام ليس إلا من رضي الله عنه، وقال له : يا عبدي ما أتيت به من الشكر القليل قبلته منك وكتبت لك أنك شاكر لأنعمي بأسرها، وهذا القبول نعمة عظيمة لا أكلفك شكرها.
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (١٤)
لما بين عظمة سليمان وتسخير الريح والروح له بين أنه لم ينج من الموت، وأنه قضى عليه الموت، تنبيهاً للخلق على أن الموت لا بد منه، ولو نجا منه أحد لكان سليمان أولى بالنجاة منه، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
كان سليمان عليه السلام يقف في عبادة الله ليلة كاملة ويوماً تاماً وفي بعض الأوقات يزيد عليه، وكان له عصا يتكىء عليها واقفاً بين يدي ربه، ثم في بعض الأوقات كان واقفاً على عادته في عبادته إذ توفي، فظن جنوده أنه في العبادة وبقي كذلك أياماً وتمادى شهوراً، ثم أراد الله إظهار الأمر لهم، فقدر أن أكلت دابة الأرض عصاه فوقع وعلم حاله.