وقرأ ابن أبي عبلة ﴿ جَنَّتَيْنِ ﴾ بالنصب على المدح، وقال أبو حيان : على أن آية اسم كان و﴿ جَنَّتَيْنِ ﴾ الخبر وأياً ما كان فالمراد بالجنتين على ما روى عن قتادة جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله وإطلاق الجنة على كل جماعة لأنها بالتقارب أفرادها وتضامنها كأنها جنة واحدة كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، وقيل : أريد بستاناً كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كما قال سبحانه :﴿ جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب ﴾ [ الكهف : ٢ ٣ ] قيل : ولم تجمع لئلا يلزم أن لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع، ورد بأن قوله تعالى :﴿ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾ يدفع ذلك لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أن لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال وهذا لا محذور فيه إلا أن يدعي أنه مخالف للواقع ثم أنه قيل إن في فيما سبق بمعنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل : لا حاجة إلى هذا فإن القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل جهة لكن أنت تعلم أنه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفاً لبلدهم المحفوفة بالجنتين أو لمحمل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلاً فلا تغفل ﴿ كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ ﴾ جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا الخ، وفي "مجمع البيان" قيل : إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عز وجل يقول كلوا من رزق ربكم الخ، وقيل : ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال ﴿ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح بموجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.