والمساكن : البلاد التي يسكنونها بقرينة قوله :﴿ جنتان عن يمين وشمال ﴾ والمساكن : ديار السكنى.
وتقدم الكلام على سبأ عند قوله :﴿ وجئتك من سبأ ﴾ في سورة النمل ( ٢٢ ).
واسم سبأ يطلق على الأمة كما هنا وعلى بلادهم كما في آية النمل وتقدم تفصيله.
وقرأ الجمهور في مساكنهم } بصيغة جمع مسكن.
وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف بلفظ المفرد ﴿ في مسكنهم ﴾ إلا أن حمزة وحفصاً فتَحَا الكاف، والكسائي وخلف كسرا الكاف وهو خارج عن القياس لأنه مضارع غير مكسور العين فحق اسم المكان منه فتح العين.
وشذ نحو قولهم : مسجد لبيت الصلاة.
و﴿ جنتان ﴾ بدل من ﴿ آية ﴾ باعتبار تكملته بما اتصل به من المتعلق والقول المقدر.
و﴿ جنتان ﴾ تشبيه بليغ، أي في مساكنهم شبيه جنتين في أنه مغترس أشجاراً ذاتتِ ثمر متصل بعضها ببعض مثل ما يعرف من حال الجنات، وتثنية جنتين باعتبار أن ما على يمين السَّائر كجنة، وما على يسَاره كجنة.
وقيل : كان لكل رجل منهم في مَسكنه، أي داره جنتان جنة عن يمين المسكن وجنة عن شماله فكانوا يتفيؤون ظِلالهما في الصباح والمساء ويجتنون ثمارهما من نخيل وأعناب وغيرها، فيكون معنى التركيب على التوزيع، أي : لكل مسكن جنتان، كقولهم : ركِب القومُ دوابهم، وهذا مناسب لقوله :﴿ في مساكنهم ﴾ دون أن يقول في بلادهم، أو ديارهم، ويجوز أن يكون المراد أن مدينتهم وهي مأرب كانت محفوفة على يمينها وشمالها بغابة من الجنات يصطافون فيها ويستثمروها مثل غوطة دمشق، وهذا يناسب قوله بعدُ ﴿ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ﴾ [ سبأ : ١٦ ] لأن ظاهره أن المبدل به جنتان اثنتان، إلا أن تجعله على التوزيع من مقابلة المتعدد بالمتعدد.
والمعنى : أنهم كانوا أهل جنّات مغروسة أشجاراً مثمرة وأعناباً.


الصفحة التالية
Icon