قال القاضي أبو محمد : واللفظ يعمهما، لأن الإذن إذا انفرد للشافع فلا شك أن المشفوع فيه معين له، وإذا انفرد للمشفوع فيه فالشافع لا محالة عالم معين لذلك، وانظر أن اللام الأولى تشير إلى المشفوع فيه من قوله ﴿ لمن ﴾ تقول شفعت لفلان، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " أُذن " بضم، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر " أذَن " بفتحها، والضمير في ﴿ قلوبهم ﴾ عائد على الملائكة الذين دعوهم آلهة، ففي الكلام حذف يدل عليه الظاهر فكأنه قال ولا هم شفعاء كما تحسبون أنتم بل هم عبدة مستسلمون أبداً حتى إذا فزع عن قلوبهم.
قال الفقيه الإمام القاضي : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله ﷺ أن هذه الآية أعني قوله ﴿ حتى إذا فزع عن قلوبهم ﴾ إنما هي الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل وبالأمر يأمر به سمعت كجر سلسلة الحديد على صفوان فتفزع عند ذلك تعظيماً وهيبة، وقيل خوف أن تقوم الساعة فإذا فزع ذلك ﴿ فزع عن قلوبهم ﴾ أي أطير الفزع عنها وكشف فيقول بعضهم لبعض ولجبريل ﴿ ماذا قال ربكم ﴾ فيقول المسؤولون قال ﴿ الحق هو العلي الكبير ﴾ وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله ﴿ الذين زعمتم ﴾ [ سبأ : ٢٢ ] لم تتصل لهم هذه الآية بما قبلها فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها حتى قال بعضهم في الكفار بعد حلول الموت ﴿ فزع عن قلوبهم ﴾ بفقد الحياة فرأوا الحقيقة وزال فزعهم من شبه ما يقال لهم في حياتهم، فيقال لهم حينئذ ﴿ ماذا قال ربكم ﴾ فيقولون قال ﴿ الحق ﴾ يقرون حين لا ينفعهم الإقرار، وقالت فرقة الآية في جميع العالم، وقوله ﴿ حتى إذا ﴾ يريد في القيامة.