قال قتادة : كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظِماء، وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضاً، ولو لقي الرجلُ قاتِلَ أبيه لا يحرّكه.
قوله تعالى :﴿ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ لما بَطِروا وطغَوْا وسئموا الراحة ولم يصبروا على العافية تمنوْا طول الأسفار والكَدْح في المعيشة ؛ كقول بني إسرائيل :﴿ فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا ﴾ [ البقرة : ٦١ ] الآية.
وكالنضر بن الحارث حين قال :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] فأجابه الله تبارك وتعالى، وقُتل يوم بدر بالسيف صَبْراً ؛ فكذلك هؤلا تبدّدوا في الدنيا ومُزّقوا كل مُمَزَّق، وجعل بينهم وبين الشام فلوات ومفاوز يركبون فيها الرواحل ويتزودون الأزواد.
وقراءة العامة "رَبَّنَا" بالنصب على أنه نداء مضاف، وهو منصوب لأنه مفعول به، لأن معناه : نادَيْت ودعَوْت.
"بَاعِدْ" سألوا المباعدة في أسفارهم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيْصِن وهشام عن ابن عامر :"رَبَّنا" كذلك على الدعاء "بَعَد" من التبعيد.
النحاس : وباعد وبعّد واحد في المعنى، كما تقول : قارب وقرّب.
وقرأ أبو صالح ومحمد بن الحنفية وأبو العالية ونصر ابن عاصم ويعقوب، ويروى عن ابن عباس :"رَبُّنَا" رفعاً "باعَدَ" بفتح العين والدال على الخبر، تقديره : لقد باعد ربّنا بين أسفارنا، كأن الله تعالى يقول : قَرَّبنا لهم أسفارهم فقالوا أَشَراً وبَطَراً : لقد بُوعدت علينا أسفارنا.
واختار هذه القراءة أبو حاتم قال : لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب بَطَراً وعجباً مع كفرهم.