وجواب آخر وهو ما أجيب من قوله تعالى :﴿ واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ﴾ [ الإسراء : ٦٤ ] فأعطي القوة والاستطاعة، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك، فلما رأى أنه تاب على آدم وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة وقال :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين ﴾ علم أن له تبعاً ولآدم تبعاً ؛ فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم، لما وُضع في يديه من سلطان الشهوات، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزيّن في أعينهم تلك الشهوات، ومدّهم إليها بالأماني والخدائع، فصدق عليهم الظن الذي ظنه، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ أي لم يَقْهَرهم إبليس على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والتزيين.
والسلطان : القوّة.
وقيل الحجة، أي لم تكن له حجة يستتبعهم بها، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس ؛ لا عن حجة ودليل.
﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة ﴾ يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب، فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى.
ومذهب الفرّاء أن يكون المعنى : إلا لنعلم ذلك عندكم ؛ كما قال :﴿ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ﴾ [ النحل : ٢٧ ] على قولكم وعندكم، وليس قوله :﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ جوابَ ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ في ظاهره إنما هو محمول على المعنى ؛ أي وما جعلنا له سلطاناً إلا لنعلم، فالاستثناء منقطع، أي لا سلطان له عليهم ولكنا ابتليناهم بوسوسته لنعلم، ف"إلا" بمعنى لكن.
وقيل هو متصل، أي ما كان له عليهم من سلطان، غير أنّا سلّطناه عليهم ليتم الابتلاء.
وقيل :"كَانَ" زائدة ؛ أي وما له عليهم من سلطان، كقوله :﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ [ آل عمران : ١١٠ ] أي أنتم خير أمّة.