وفاعل بمعنى فعل وإن جاء فعلاً ماضياً كان ذلك شكوى من مسافة ما بين قراهم مع قصرها لتجاوزهم في الترفه والتنعم أو شكوى مما حل بهم من بعد الأسفار التي طلبوها بعد وقوعها أو دعاء بلفظ الخبر، ومن رفع ﴿ رَبَّنَا ﴾ فلا يكون الفعل عنده إلا ماضياً والجملة خبرية متضمنة للشكوى على ما قيل، ونصب ﴿ بَيْنَ ﴾ بعد كل فعل متعد في إحدى القراءات ماضياً كان أو طلباً عند أبي حيان على أنه مفعول به، وأيد ذلك بقراءة الرفع أو على الظرفية والفعل منزل منزلة اللازم أو متعد مفعوله محذوف أي السير وهو أسهل من إخراج الظرف الغير المتصرف عن ظرفيته.
وقرىء ﴿ بوعد ﴾ مبنياً للمفعول.
وقرأ ابن يعمر ﴿ مِن سَفَرِنَا ﴾ بالإفراد ﴿ وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة وغمطوها ﴿ فجعلناهم أَحَادِيثَ ﴾ جمع أحدوثه وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس، وجعلهم نفس الأحاديث إما على المبالغة أو تقدير المضاف أي جعلناهم بحديث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم.
وقيل المراد لم يبق منهم إلا الحديث عنهم ولو بقي منهم طائفة لم يكونوا أحاديث ﴿ ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ أي فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان، وفي التعبير بالتمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرقه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي مزقناهم تمزيقاً لا غاية وراءه بحيث يضرب مثلاً في كل فرقة ليس بعدها وصال، وعن ابن سلام أن المراد جعلناهم تراباً تذروه الرياح وهو أوفق بالتمزيق إلا أن جميع أجلة المفسرين على خلافه وأن المراد بتمزيقهم تفريقهم بالتباعد، وقد تقدم لك غير بعيد حديث كيفية تفرقهم في جواب رسول الله ﷺ لفروة بن مسيك.
وفي "الكشاف" لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان.