فقالت طريفة : وإن من من علامة ذلك الذي ذكرته لك أن تجلس فتأمر بزجاجة فتوضع بين يديك فإن الريح يملؤها من تراب البطحاء من سهل الوادي وحزنه وقد علمت أن الجنان مظللة لا يدخلها شمس ولا ريح فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه ولم تمكث إلا قليلاً حتى امتلأت من التراب فأخبرها بذلك، وقال لها : متى يكون ذلك الخراب الذي يحدث في السد؟ قالت له : فيما بيني وبينك سبع سنين قال : ففي أيها يكون؟ قالت : لا يعلم بذلك إلا الله تعالى ولو علمه أحد لعلمته وأنه لا تأتي على ليلة فيما بيني وبين السبع سنين إلا ظننت هلاكه في غدها أو في مسائها ثم رأى عمرو في منامه سيل العرم، وقيل له : إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخل فنظر إليها فوجد الخصباء قد ظهرت فيها فعلم أنه واقع وأن بلادهم ستخرب فكتم ذلك وأجمع على بيع كل شيء له بأرض مأرب وأن يخرج منها هو وولده ثم خشي أن تنكر الناس عليه ذلك فأمر أحد أولاده إذا دعاه لما يدعوه إليه أن يتأبى عليه وأن يفعل ذلك به في الملإ من الناس وإذا لطمه يرفع هو يده ويلطمه ثم صنع عمرو طعاماً وبعث إلى أهل مأرب أن عمراً قد صنع طعاماً يوم مجد وذكر فاحضروا طعامه فلما جلس الناس للطعام جلس عنده ابنه الذي أمره بما قد أمره فجعل يأمره فيتأبى عليه فرفع عمرو يده فلطمه فلطمه ابنه وكان اسمه مالكاً فصاح عمرو واذلاه يوم فخر عمرو وبهجته صبي يضرب وجهه وحلف ليقتله فلم يزالوا يرغبون إليه حتى ترك وقال : والله لا أقيم بموضع صنع فيه بي هذا ولأبيعن أموالي حتى لا يرث بعدي منها شيئاً فقال الناس : بعضهم لبعض اغتنموا غيظ عمرو واشتروا منه أمواله قبل أن يرضى فابتاع الناس منه كل ماله بأرض مأرب وفشا بعض حديثه فيما بلغه من شأن سيل العرم فقام ناس من الأزد فباعوا أموالهم فلما أكثروا البيع استنكر الناس ذلك فأمسكوا عن الشراء فلما اجتمعت إلى عمرو أمواله أخبر الناس بشأن السيل وخرج فخرج لخروجه منها بشر كثير