وقرأ يحيى بن يعمر، وعيسى بن عمر :( ربنا ) بالرفع، ( بعد ) بفتح العين مشدّدة، فيكون معنى هذه القراءة : الشكوى بأن ربهم بعد بين أسفارهم مع كونها قريبة متصلة بالقرى، والشجر، والماء، فيكون هذا من جملة بطرهم، وقرأ أخو الحسن البصري كقراءة ابن السميفع السابقة مع رفع بين على أنه الفاعل كما قيل : في قوله :﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ٩٤ ].
وروى الفرّاء، والزجاج قراءة مثل هذه القراءة لكن مع نصب بين على أنه ظرف، والتقدير : بعد سيرنا بين أسفارنا.
قال النحاس : وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال : إحداها أجود من الأخرى كما لا يقال ذلك في أخبار الآحاد إذا ا ختلفت معانيها، ولكن أخبر عنهم : أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم، فلما فعل ذلك بهم شكوا، وتضرّروا، ولهذا قال سبحانه :﴿ وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ حيث كفروا بالله، وبطروا نعمته، وتعرّضوا لنقمته ﴿ فجعلناهم أَحَادِيثَ ﴾ يتحدّث الناس بأخبارهم.
والمعنى : جعلناهم ذوي أحاديث يتحدّث بها من بعدهم تعجباً من فعلهم، واعتباراً بحالهم، وعاقبتهم ﴿ ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ أي : فرّقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، وهذه الجملة مبينة لجعلهم أحاديث، وذلك أن الله سبحانه لما أغرق مكانهم، وأذهب جنتهم، تفرّقوا في البلاد، فصارت العرب تضرب بهم الأمثال.
فتقول : تفرّقوا أيدي سبا.
قال الشعبي : فلحقت الأنصار بيثرب، وغسان بالشام، والأزد بعمان، وخزاعة بتهامة ﴿ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ ﴾ أي : فيما ذكر من قصتهم، وما فعل الله بهم لآيات بينات، ودلالات واضحات ﴿ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي : لكل من هو كثير الصبر، والشكر، وخصّ الصبار الشكور، لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات.
﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ قرأ الجمهور :" صدق " بالتخفيف، ورفع :﴿ إبليس ﴾، ونصب ﴿ ظنه ﴾.


الصفحة التالية
Icon