وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن معنى ﴿ ظاهرةً ﴾ أنها خارجة عن المدن فهي في ظواهر المدن ومنه قولهم : نزلنا بظاهر المدينة الفلانية، أي خارجاً عنها.
فقوله :﴿ ظاهرةً ﴾ كتسمية الناس إياها بالبادية وبالضاحية، ومنه قول الشاعر وأنشده أهل اللغة :
فلو شهدتني من قريش عصابة
قريششِ البطاح لا قريششِ الظواهر...
وفي حديث الاستسقاء :" وجاء أهل الظواهر يشتكون الغرق " ا ه.
وهو تفسير جميل.
ويكون في قوله :﴿ ظاهرةً ﴾ على ذلك كناية عن وفرة المدن حتى إن القرى كلها ظاهرة منها.
ومعنى تقدير السير في القرى : أن أبعادها على تقدير وتَعادل بحيث لا يتجاوز مقدار مرحلة.
فكانَ الغادي يقبل في قرية والرائح يبيت في قرية.
فالمعنى : قدرنا مسافات السير في القرى، أي في أبعادها.
ويتعلق قوله :﴿ فيها ﴾ بفعل ﴿ قدرنا ﴾ لا بالسير لأن التقدير في القرى وأبعادها لا في السير إذ تقدير السير تبع لتقدير الأبعاد.
وجملة ﴿ سيروا في ليالي ﴾ مقول قول محذوف.
وجملة القول بيان لجملة ﴿ قدرنا ﴾ أو بدل اشتمال منها.
وهذا القول هو قول التكوين وهو جعلها يسيرون فيها.
وصيغة الأمر للتكوين.
وضمير ﴿ فيها ﴾ عائد إلى القرى، والظرفية المستفادة من حرف الظرف تخييل لمكنيةٍ، شبهت القُرى لشدة تقاربها بالظرف وحذف المشبه به ورُمز إليه بحرف الظرفية.
والمعنى : سيروا بينها.
وكانوا يسيرون غدوًّا وعشيًّا فيسِيرون الصباح ثم تعترضهم قرية فيريحون فيها ويقيلون، ويسيرون المساء فتعترضهم قرية يبيتون بها.
فمعنى قوله :﴿ سيروا فيها ليالي وأياماً ﴾ : سيروا كيف شئتم.
وتقديم الليالي على الأيام للاهتمام بها في مقام الامتنان لأن المسافرين أحوج إلى الأمن في الليل منهم إليه في النهار لأن الليل تعترضهم فيه القُطاع والسباع.
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ