وفعل الجعل يقتضي تغييراً ولما علق بذواتهم انقلبت من ذوات مشاهدة إلى كونها أخباراً مسموعة.
والمعنى : أنهم هلكوا وتحدث الناس بهم.
وهذا نظير قولهم : دخلوا في خبر كان، وإلاّ فإن الأحاديث لا يخلو منها أحد ولا جماعة.
وقد يكون في المدح كقوله :
هاذي قبورهُم وتلكَ قصورهم
وحديثُهم مستودَع الأوْراق...
أو أريد : فجعلناهم أحاديث اعتبار وموعظة، أي فأصبناهم بأمر غريب من شأنه أن يتحدث به الناس فيكون ﴿ أحاديث ﴾ موصوفاً بصفة مقدرة دل عليها السياق مثل قوله تعالى :﴿ يأخذ كل سفينة غصباً ﴾ [ الكهف : ٧٩ ]، أي كل سفينة صالحة بقرينة قوله :﴿ فأردت أن أعيبها ﴾ [ الكهف : ٧٩ ].
والتمزيق : تقطيع الثوب قِطَعاً، استعير هنا للتفريق تشبيهاً لتفريق جامعة القوم شذر مذر بتمزيق الثوب قطعاً.
و﴿ كل ﴾ منصوب على المفعولية المطلقة لأنه بمعنى الممزق كله، فاكتسب معنى المفعولية المطلقة من إضافته إلى المصدر.
ومعنى ﴿ كل ﴾ كثيرة التمزيق لأن ( كلاً ) ترد كثيراً بمعنى الكثير لا بمعنى الجميع، قال تعالى :﴿ ولو جاءتهم كل آية ﴾ [ يونس : ٩٧ ] وقال النابغة :
بها كل ذيال
وأشارت الآية إلى التفرق الشهير الذي أُصيبت به قبيلة سبأ إذ حملهم خراب السد وقحولة الأرض إلى مفارقة تلك الأوطان مفارقة وتفريقاً ضربَت به العرب المثل في قولهم : ذهبوا، أو تفرقوا أيدي سبا، أو أياديَ سبا، بتخفيف همزة سبا لتخفيف المَثل.
وفي "لسان العرب" في مادة ( يدي ) قال المعري : لم يهمزوا سبا لأنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد.
هكذا ولعله التباس أو تحريف، وإنما ذكر المعري عدم إظهار الفتحة على ياء "أيادي" أو "أيدي" كما هو مقتضى التعليل لأن التعليل يقتضي التزام فتح همزة سبا كشأن المركب المزجي.
قال في "لسان العرب" : وبعضهم ينوِّنه إذا خففه، قال ذو الرمة :
فيا لك من دار تفرق أهلها
أيادي سباً عنها وطال انتقالها...
والأكثر عدم تنوينه قال كثير :