ويظهر أن هذا التذييل تنهية للقصة وأن ما بعد هذه الجملة متعلق بالغرض الأول المتعلق بأقوال المشركين والمنتقل منه إلى العبرة بداود وسليمان والممثَّل لحال المشركين فيه بحال أهل سبا.
وجُمع "الآيات" لأن في تلك القصة عدة آيات وعِبَر فحالةُ مساكنهم آية على قدرة الله ورحمته وإنعامه، وفيه آية على أنه الواحد بالتصرف، وفي إرسال سير العرم عَليهم آية على انفراده تعالى بالتصرف، وعلى أنه المنتقم وعلى أنه واحد، فلذلك عاقبهم على الشرك، وفي انعكاس حالهم من الرفاهة إلى الشظف آية على تقلب الأحوال وتغير العالم وآية على صفات الأفعال لله تعالى من خَلْق ورَزق وإحياء وإماتة، وفي ذلك آية مِن عدم الاطمئنان لدوام حال في الخير والشر.
وفيما كان من عمران إقليمهم واتساع قراهم إلى بلاد الشام آية على مبلغ العمران وعظم السلطان من آيات التصرفات، وآية على أن الأمن أساس العمران.
وفي تمنيهم زوال ذلك آية على ما قد تبلغه العقول من الانحطاط المفضي إلى اختلال أمور الأمة وذهاب عظمتها، وفيما صاروا إليه من النزوححِ عن الأوطان والتشتت في الأرض آية على ما يُلجىء الاضطرارُ إليه الناس من ارتكاب الأخطار والمكاره كما يقول المثل : الحُمى أضرعتني إليك.
والجمع بين ﴿ صبار ﴾ و ﴿ شكور ﴾ في الوصف لإِفادة أن واجب المؤمن التخلق بالخُلقين وهما : الصبر على المكاره، والشكر على النعم، وهؤلاء المتحدث عنهم لم يشكروا النعمة فيطروها، ولم يصبروا على ما أصابهم من زوالها فاضطربت نفوسهم وعمَّهم الجزع فخرجوا من ديارهم وتفرقوا في الأرض، ولا تسأل عما لاقوه في ذلك من المتالف والمذلات.
فالصبّار يَعْتَبر من تلك الأحوال فيعلم أن الصبر على المكاره خير من الجزع ويرتكب أخف الضرين، ولا يستخفه الجزع فيلقي بنفسه إلى الأخطار ولا ينظر في العواقب.


الصفحة التالية
Icon