وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : كان أهل سبأ أعطوا ما لم يعطه أحد من أهل زمانهم، فكانت المرأة تخرج على رأسها المكتل فتريد حاجتها، فلا تبلغ مكانها الذي تريد حتى يمتلىء مِكْتَلُهَا من أنواع الفاكهة، فأجمعوا ذلك فكذبوا رسلهم، وقد كان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم، فيجمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي، وكانوا قد حفروه بمسناة - وهم يسمون المسناة العرم - وكانوا يفتحون إذا شاءوا من ذلك الماء، فيسقون جنانهم إذا شاءوا، فلما غضب الله عليهم، وأذن في هلاكهم، دخل رجل إلى جنته - وهو عمرو بن عامر فيما بلغنا، وكان كاهناً - فنظر إلى جرذة تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال : ما نقلت هذه أولادها من ههنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب، ويقدر أنها خرقت ذلك العرم، فنقبت نقباً، فسال ذلك النقب ماء إلى جنته، فأمر عمرو بن عامر بذلك النقب فسد، فأصبح وقد انفجر بأعظم ما كان، فأمر به أيضاً فسد، ثم انفجر بأعظم ما كان، فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال : إذا أنا جلست العشية في نادي قومي فائتني فقل : علام تحبس علي مالي؟ فإني سأقول ليس لك عندي مال، ولا ترك أبوك شيئاً، وإنك لكاذب. فإذا أنا كذبتك فكذبني وأردد عليّ مثل ما قلت لك، فإذا فعلت ذلك فإني سأشتمك، فاشتمني. فإذا أنت شتمتني لطمتك، فإذا أنا لطمتك فقم فالطمني. قال : ما كنت لاستقبلك بذلك يا عم! قال : بلى. فافعل فإني أريد بها صلاحك، وصلاح أهل بيتك فقال الفتى : نعم. حيث عرف هوىعمه فجاء فقال ما أمر به حتى لطمه فتناوله الفتى فلطمه فقال الشيخ : يا معشر بني فلان الطم فيكم؟ لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبداً، من يبتاع مني. فلما عرف القوم منه الجد أعطوه، فنظر إلى أفضلهم عطية، فأوجب له البيع، فدعا بالمال، فنقده وتحمل هو وبنوه من ليلته، فتفرقوا.


الصفحة التالية
Icon