من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى... ﴾ :
ما كان من شأنهم إلا التمادي في عصيانهم، والإصرار على غيهم وطغيانهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾.
فرَّقناهم تفريقاً حتى اتخذهم الناسُ مثلاً مضروباً ؛ يقولون : ذهبوا أيدي سبأٍ، وتفرَّقوا أيادي سبأ. وفي قصتهم آياتٌ لكل صبَّار على العاقبة، شكور على النعمة.
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)
صدَّق عليهم إبليس ظنّه - وإنْ كان لا يملك لنفسه أمراً، فإبليس مُسَلِّطٌ على أتباعه من الجنِّ والإِنس، وليس به من الإضلال شيء، ولو أمكنه أَن يَضُرَّ غيرَه لأمكنه أن يمسك على الهداية نَفْسَه، قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الإِسراء : ٦٥ ].
﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ ﴾ : يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ثم أخبر - سبحانه وتعالى - أنه بمُلْكِه متفرِّدٌ، وفي الألوهية متوحِّدٌ، وعن الأضداد والأنداد متعزِّزٌ، وأَنهم لا يملكون مثقالَ ذَرَّةٍ، ولا مقياسَ حَبَّةٍ، وليس منهم نصير، ولا شريك ولا ظهير، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الملائكة في السماءِ بوصف الهيبة فَزِعُون، وفي الموقف الذى أثبتهم الحقُّ واقفون، لا يفترون عن عبادته ولا يعصون. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ٣ صـ ١٨١ ـ ١٨٢﴾