التفسير : قال في التفسير الكبير : السور المفتتحة بالحمد خمس : ثنتان في النصف الأول " الأنعام " و " الكهف "، وثنتان في النصف الأخير هذه " والملائكة " والخامسة وهي " الفاتحة " تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الأخير، وذلك لأن المكلف له حالتان الإبداء والإعادة وفي كل حالة لله علينا نعمتان : نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء فأشار في أوّل " الأنعام " إلى نعمة الإيجاد الأول بدليل قوله تعالى ﴿ هو الذي خلقكم من طين ﴾ [ الآية : ٢ ] واشار في أوّل " الكهف " إلى إنزال الكتاب الذي به يتم نظام العالم ويحصل قوام معاش بني آدم، وأشار في أوّل هذه السورة إلى نعمة الإيجاد الثاني بدليل قوله تعالى ﴿ وله الحمد في الآخرة ﴾ وأشار في أوّل سورة الملائكة غلى الإبقاء الأبدي بدليل قوله ﴿ جاعل الملائكة رسلاً ﴾ [ فاطر : ١ ] والملائكة بأجمعهم لا يكونون رسلاً إلا يوم القيامة يرسلهم الله مسلمين على المسلمين كقوله ﴿ وتتلقاهم الملائكة ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] وقال تعالى في تحتهم ﴿ سلام عليكم طبتم ﴾ [ الزمر : ٧٣ ] وفاتحة الكتاب حيث تشتمل على نعمة الدنيا بقوله ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ [ الفاتحة : ٢ ] وعلى نعمة الآخرة بقوله ﴿ مالك يوم الدين ﴾ [ الفاتحة : ٤ ] يقرأ في الافتتاح وفي الاختتام. واعلم أنه تعالى وصف نفسه في أول هذه السورة بأن له ما في السموات وما في الأرض إيذاناً بأنه كونه مالكاً لكل الأشياء يوجب كونه محموداً على كل لسان، لأن الكل إذا كان له فكل من ينتفع بشيء من ذلك كان مستنفعاً بنعمه. ثم صرح بأن له الحمد في الآخرة تفضيلاً لنعم الآخرة على نعم الدنيا وإيذاناً بأنها هي النعمة الحقيقية التي يحق أن يحمد عليها ويثنى عليه ن أجلها مع إفادة الاختصاص بتقديم الظرف ﴿ وهو الحكيم ﴾ في الابتداء ﴿ الخبير ﴾ بالانتهاء. ثم أكد علمه بقوله ﴿ يعلم ما يلج في الأرض ﴾ أي يدخل فيها من المياه والحبات والكنوز والأموات ﴿ وما يخرج منها ﴾


الصفحة التالية
Icon