بل نحن قانعون بما أدبنا به آباؤنا، وذلك أن بعض أهل الكتاب أخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم، فأغضبهم ذلك فقالوه :﴿ولو﴾ أي والحال أنك ﴿ترى﴾ أي يوجد منك رؤية لحالهم ﴿إذ﴾ هم - هكذا كان الأصل، ولكن أظهر الوصف تعميماً وتعليقاً للحكم به فقال :﴿الظالمون﴾ أي الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر بغير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه، وقد أقام لهم أدلة العقل بما ضرب لهم من الأمثال في الآفاق وفي أنفسهم، والنقل بهذا القرآن المدلول على صدقه بعد إظهار المعجزات المحسوسات بعجزهم عنه، فكأنهم سمعوه من الله المنعم الحق ﴿موقوفون﴾ أي بعد البعث بما يوقفهم من قدرته بأيدي جنوده أو بغيرها بأيسر أمر منه سبحانه قهراً لهم وكرهاً منهم :﴿عند ربهم﴾ أي الذي أحسن إليهم فطال إحسانه فكفروا كلما أحسن به إليهم ﴿يرجع بعضهم﴾ أي على وجه الخصام عداوة.
وكان سببها مواددتهم في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله، قال القشيري : ومن عمل بالمعاصي أخرج الله عليه كل من هو أطوع له، ولكنهم لا يعلمون ذلك، ولو علموا لاعتبروا، ولو اعتبروا لتابوا وتوافقوا، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ﴿إلى بعض القول﴾ أي بالملاومة والمباكتة والمخاصمة، لرأيت أمراً فظيعاً منكراً هائلاً شنيعاً مقلقاً وجيعاً يسرك منظره، ويعجبك منهم أثره ومخبره، من ذلهم وتحاورهم وتخاذلهم حيث لا ينفعهم شيء من ذلك.