والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون ﴿ على هُدًى ﴾ راجعاً لقوله تعالى :﴿ أَنَاْ ﴾ و﴿ فِى ضلال ﴾ راجعاً لقوله سبحانه ﴿ إِيَّاكُمْ ﴾ فإن العقل يحكم بذلك كما في قول أمرى القيس.
كأن قلوب الطير رطباً ويابسا...
لدى وكرها العناب والحشف البالي
ولا يخفى بعده، وأياً ما كان فليس هذا من باب التقية في شيء كما يزعمه بعض الجهلة، والظاهر أن ﴿ لَّعَلّى هُدًى ﴾ الخ خبر ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِيَّاكُمْ ﴾ من غير تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لمتصف بأحد الأمرين كقولك زيد أو عمرو في السوق أو في البيت، وقيل : هو خبر ﴿ أَنَاْ ﴾ وخبر ﴿ إِيَّاكُمْ ﴾ محذوف تقديره لعلى هدى أو في ضلال مبين، وقيل : هو خبر ﴿ إِيَّاكُمْ ﴾ وخبر ﴿ أَنَاْ ﴾ محذوف لدلالة ما ذكر عليه، و﴿ إِيَّاكُمْ ﴾ على تقديران ولكنها لما حذفت انفصل الضمير.
وفي البحر لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر، والمتبادر أن ﴿ مُّبِينٌ ﴾ صفة ﴿ ضلال ﴾ ويجوز أن يكون وصفاً له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم إفراده بعد المعطوف باو، وأدخل على على الهدى للدلالة على استعلاء صاحبه وتمكنه واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء، و﴿ فِى ﴾ على الضلال للدلالة على انغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في هواة مظلمة لا يدري أين يتوجه ففي الكلام استعارة مكنية أو تبعية.
وفي قراءة أبي ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِيَّاكُمْ أَمَّا على هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ ﴾.
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)