فحالهم مشهور، وأما الملائكة فالدلائل على الإرسال إليهم في غاية الظهور، وفي دلائل النبوة في باب التحدث بالنعمة عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن هذه الآية دليل على فضل النبي ـ ﷺ ـ على الأنبياء بعموم الرسالة للإنس والجن.
ولما كانت البشارة هي الخبر الأول الصدق السار، وكان في ذكرها رد قولهم في الكذب والجنون، قال :﴿بشيراً ونذيراً﴾ أي لمن أهل للبشارة أو النذارة.
ولما كان هذا الإرسال مقروناً بدليله من الإتيان بالمعجز من نفسه من جهة البلاغة في نظمه وبالمعاني المحكمة في البشارة والنذارة وغير ذلك، قلب عليهم قولهم الذي لا دليل عليه ولا شبهة تصوب إليه في حقه ـ ﷺ ـ بقوله الذي هو أوضح من الشمس دليلاً، وأقوم كل قيل قيلاً :﴿ولكن﴾ ولما كان الناس الأولين كل من ديه قابلية النوس وهم جميع الخلائق وأكثرهم غير عاص، أظهر مريداً الثقلين من الجن والإنس فقال : فأكثر الناس لا يعلمون أي ليس لهم قابلية العلم فيعلموا أنك رسول الله فضلاً عن أن إرسالك عام، بل هم كالأنعام، فهم لذلك لا يتأملون فيقولون " افترى أم به جنة " ونحو هذا من غير تدبر لما في هذا الكتاب من الحكمة والصواب مع الإعجاز في حالي الإطناب والإيجاز، والإضمار والإبراز، فيحملهم جهلهم على المخالفة والإعراض.
ولما سلب عنهم العلم، أتبعه دليله، فقال معبراً بصيغة المضارعة الدال على ملازمة التكرير للإعلام بأنه على سبيل الاستهزاء لا الاسترشاد :﴿ويقولون﴾ أي ما أرسلناك إلا على هذا الحال والحال أن المنذرين يقولون جهلاً منهم بعاقبة ما يوعدونه غير مفكرين به في وجه الخلاص منه والتفصي عنه في كل حين استهزاء منهم :﴿متى هذا الوعد﴾ أي بالبشارة والنذارة في يوم الجمع وغيره فسموه وعداً زيادة في الاستهزاء.


الصفحة التالية
Icon