وإذا جاز تقديمها على المجرور والعامل فتقديمها عليه دون العامل أجوز انتهى، وجعلوا هذا الوجه أحسن الأوجه في الآية وقالوا : إن ما عداه تكلف، واعترض بأنه يلزم عليه عما ما قبل إلا وهو أرسل فيما بعدها وهو ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ وليس بمستثنى ولا مستثنى منه ولا تابعاً له وقد منعوه، وأجيب بأن التقدير وما أرسلناك للناس إلا كافة فهو مقدم رتبة ومثله كاف في صحة العمل مع أنهم يتوسعون في الظرف ما لا يتوسعون في غيره.
وقال الخفاجي عليه الرحمة : الاحسن أن يجعل ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ مستثنى على أن الاستثناء فيه مفرغ وأصله ما أرسلناك لشيء من الأشياء إلا لتبليغ الناس كافة، وأما تقديره بما أرسلناك للخالق مطلقاً إلا للناس كافة على أنه مستثنى فركيك جداً اه، ولا يخفى أن في الآية على ما استحسنه حذف المضاف والفصل بين أداة الاستثناء والمستثنى وتقديم الحال على صاحبها والكل خلاف الأصل وقلما يجتمع مثل ذلك في الكلام الصيح.
واعترض عليه أيضاً بأنه يلزم حينئذ جعل اللام في ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ بمعنى إلى وليس بشيء لأن أرسل يتعدى باللام وإلى كما ذكره أبو حيان وغبره فلا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى على أنه لو جعلت بمعناها لا يلزم خطأ أصلا لمجيء كل من اللام وإلى بمعنى الآخر، وكذا لا حاجة إلى جعلها تعليلية إلا على ما استحسنه الخفاجي.
وقال غيرو احد : إن ﴿ كَافَّةً ﴾ اسم فاعل من كف والتاء فيه للمبالغة كتاء راوية ونحو وهو حال من مفعول ﴿ أرسلناك ﴾ و﴿ لِلنَّاسِ ﴾ متعلق به وإليه ذهب أبو حيان أي ما أرسلناك إلا كافاً ومانعاً للناس عن الكفر والمعاصي.
وإلى الحالية من الكاف ذهب أبو علي أيضاً إلا أنه قال : المعنى إلا جامعاً للناس في الإبلاغ.