والذي اختاره في الآية ماهو المتبادر، ولا بأس بالتدم والاستعمال وارد عليه ولا قياس يمنعه، وأمر تخطى العامل إلا إلى ما ليس مستثنى ولا مستثنى منه سهل لحديث التوسع في الظرف، والآية عليه أظهر في الاستدلالعلى عموم رسالته ﷺ وهو في ذلك كقوله تعالى :﴿ قُلْ يا أهل أَيُّهَا الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [ الأعراف : ٨ ١٥ ] ولو استدل بها القاضي أبو سعيد لبهت اليهودي، وقد يستدل عليه بما لا يكاد ينكره من فعله ﷺ مع اليهود في عصره ودعوته عليه الصلاة والسلام إياهم إلى الإسلام ﴿ بَشِيراً ﴾ لمن أسلم بالثواب ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ لمن لم يسلم بالعقاب، والوصفان حالان من مفعول ﴿ أرسلناك ﴾ وقد يجعلان على بعض الأوجه السابقة بدلاً من ﴿ كَافَّةً ﴾ نحو بدل المفصل من المجمل فتأمل.
﴿ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك فيحملهم جهلهم على الإصرار على ما هم عليه من الغي والضلال
﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي لجهلهم حقيقة أو حكماً ولذا لم يعطف بالفاء وقيل يقولون أي من فرط تعنتهم وعدم العطف بالفاء لذلك.
وقيل الحامل فرط الجهل وعدم العطف بالفاء لظهور تفرعه على ما قبله ومثله يوكل إلى ذهن السامع، وقيل إن ذاك لأن فرط الجهل غير الجهل وهو كما ترى، وقيل لأن هذا حال بعض وعدم العلم في قوله تعالى :﴿ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾ [ سبأ : ٢٨ ] حال بعض آخر، والذي يظهر لي أن القائلين بالفعل هم بعض المشركين المعاصرين له ﷺ لا أكثر الناس مطلقاً وأن المراد بصيغة المضارع الاستمرار التجددي، وقيل عبر بها استحضاراً للصورة الماضية لنوع غرابة والأصل وقالوا :


الصفحة التالية
Icon