﴿ ويوم يحشرهم جميعاً ﴾ : أي المكذبين، من تقدم ومن تأخر.
وقرأ الجمهور : نحشرهم، نقول بالنون فيهما، وحفص بالياء، وتقدمت في الأنعام وخطاب الملائكة تقريع للكفار، وقد علم تعالى أن الملائكة منزهون برآء مما وجه عليهم من السؤال، وإنما ذلك على طريق توقيف الكفار، وقد علم سوء ما ارتبكوه من عبادة غير الله، وأن من عبدوه متبرىء منهم.
و﴿ هؤلاء ﴾ مبتدأ و، خبره ﴿ كانوا يعبدون ﴾، و﴿ إياكم ﴾ مفعول ﴿ يعبدون ﴾.
ولما تقدم انفصل، وإنما قدم لأنه أبلغ في الخطاب، ولكون ﴿ يعبدون ﴾ فاصلة.
فلو أتى بالضمير منفصلاً، كان التركيب يعبدونكم، ولم تكن فاصلة.
واستدل بتقديم هذا المعمول على جواز تقديم خبر كان عليها إذا كان جملة، وهي مسألة خلاف، أجاز ذلك ابن السراج، ومنع ذلك قوم من النحويين، وكذلك منعوا توسطه إذا كان جملة.
وقال ابن السراج : القياس جواز ذلك، ولم يسمع.
ووجه الدلالة من الآية أن تقديم المعمول مؤذن بتقديم العامل، فكما جاز تقديم ﴿ إياكم ﴾، جاز تقديم ﴿ يعبدون ﴾، وهذه القاعدة ليست مطردة، والأولى منع ذلك إلى أن يدل على جوازه سماع من العرب.
ولما أجابوا الله بدأوا بتنزيهه وبراءته من كل سوء، كما قال عيس عليه السلام :﴿ سبحانك ﴾، ثم انتسبوا إلى موالاته دون أولئك الكفرة، أي ﴿ أنت ولينا ﴾، إذ لا موالاة بيننا وبينهم.
وفي قولهم :﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾، إشعار لهم بما عبدوه، وإن لم يصرح به.
لكن الإضراب ببل يدل عليه وذلك لأن المعبود إذ لم يكن راضياً بعبادة عابده مريداً لها، لم يكن ذلك العابد عابداً له حقيقة، فلذلك قالوا :﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾، لأن أفعالهم القبيحة من وسوسة الشياطين وإغوائهم ومراداتهم عابدون لهم حقيقة، فلذلك قالوا :﴿ بل كانوا يعبدون الجن ﴾، إذ الشياطين راضون تلك الأفعال.
وقيل : صورت لهم الشياطين صور قوم من الجن، وقالوا : هذه صور الملائكة فاعبدوها.


الصفحة التالية
Icon