والفاء الأولى سببية و﴿ كَذَّبَ ﴾ الأول تنزيل منزلة للازم أي فعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه، ونظير ذلك أن يقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد ﷺ ومن هنا قالوا : إن ﴿ كَذَّبُواْ رُسُلِى ﴾ عطف على ﴿ كَذَّبَ الذين ﴾ عطف المقيد على المطلق وهو تفسير معنى ﴿ وَمَا بَلَغُواْ ﴾ اعتراض والفاء الثانية فصيحة فيكون المعنى فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم، وجعل التدمير إنكاراً تنزيلاً للفعل منزلة القول كما في قوله :
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم...
أو على نحو.
تحية بينهم ضرب وجيع...
وجوز بعضهم أن يكون صيغة التفعيل في ﴿ كَذَّبَ الذين ﴾ وفي ﴿ لَّمَّا كَذَّبُواْ ﴾ للتعدية والمكذب فيهما واحد أي أنهم أكثروا الكذب وألفوه فصار سجية لهم حتى اجترؤا على تكذيب الرسل، وعلى الوجهين لا تكرار، وجوز أن يكون ﴿ كَذَّبُواْ رُسُلِى ﴾ منعطفاً على ﴿ مَا بَلَغُواْ ﴾ من تتمة الاعتراض والضمير لأهل مكة يعني هؤلاء لم يبلغوا معشار ما آتينا أولئك المكذبين الأولين وفضلوهم في التكذيب لأن تكذيبهم لخاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام تكذيب لجميع الرسل عليهم السلام من وجهين وعليه لا يتوهم تكرار كما لا يخفى، وكون جملة ﴿ مَا بَلَغُواْ ﴾ معترضة هو الظاهر وجعل ﴿ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ ﴾ تمهيداً لئلا تكون تلك الجملة كذلك يدفعه ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ لأن معناه للمكذبين الأولين البتة فلا التئام دون القول بكونها معترضة، وإرجاع ضمير ﴿ بَلَغُواْ ﴾ إلى أهل مكة والضمير المنصوب في ﴿ ءاتيناهم ﴾ إلى ﴿ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ وبيان الموصول بما سمعت هو المروي عن ابن عباس وقتادة.


الصفحة التالية
Icon