وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ ﴾
انتقال من حكاية كفرهم وغرورهم وازدهائهم بأنفسهم وتكذيبهم بأصول الديانة إلى حكاية تكذيبهم الرسول ﷺ وأتبع ذلك بحكاية تكذيبهم الكتابَ والدين الذي جاء به فكان كالفذلكة لما تقدم من كفرهم.
وجملة ﴿ إذا تتلى ﴾ معطوفة على جملة ﴿ ويوم نحشرهم جميعاً ﴾ [ سبأ : ٤٠ ] عطف القصة على القصة.
وضمير ﴿ عليهم ﴾ عائد إلى ﴿ الذين كفروا ﴾ [ سبأ : ٣١ ] وهم المشركون من أهل مكة.
وإيراد حكاية تكذيبهم الرسول ﷺ مقيدةً بالزمن الذي تتلى عليهم فيه آيات الله البينات تعجيب من وقاحتهم حيث كذبوه في أجدر الأوقات بأن يصدقوه عندها لأنه وقت ظهور حجة صدقه لكل عاقل متبصر.
وللاهتمام بهذا الظرف والتعجيب من متعلقه قُدّم الظرف على عامله والتشوق إلى الخبر الآتي بعده وأنه من قبل البهتان والكفر البواح.
والمراد بالآيات البينات آيات القرآن، ووصفها بالبيّنات لأجل ظهور أنها من عند الله لإِعجازها إياهم عن معارضتها، ولِما اشتملت عليه معانيها من الدلائل الواضحة على صدق ما تدعو إليه، فهي محفوفة بالبيان بألفاظها ومعَانيها.
وحذف فاعل التلاوة لظهور أنه الرسول ﷺ إذ هو تالي آيات الله، فالإِشارة في قولهم :﴿ ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم ﴾ إلى الرسول ﷺ واستحضروه بطريق الإِشارة دون الاسم إفادة لحضوره مجلس التلاوة وذلك من تمام وقاحتهم فقد كان النبي ﷺ يقرأ عليهم القرآن في مجالسهم كما ورد في حديث قراءته على عتبة بن ربيعة سورة فُصلت وقراءِته على عبد الله بن أُبَيّ ابن سَلول للقرآن بالمدينة في القصة التي تشاجر فيها المسلمون والمشركون.