وجملة ﴿ وما بلغوا معشار ما آتيناهم ﴾ معترضة، والاعتراض بها تمهيد للتهديد وتقريب له بأن عقاب هؤلاء أيسر من عقاب الذين من قبلهم في متعارف الناس مثل قوله تعالى :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾ [ الروم : ٢٧ ].
والفاء في قوله :﴿ فكذبوا رسلي ﴾ للتفريع على قوله :﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾ باعتبار أن المفرع عطف عليه قوله :﴿ فكيف كان نكير ﴾، وبذلك كانت جملة ﴿ فكذبوا رسلي ﴾ تأكيداً لجملة ﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾ ونظيره قوله تعالى :﴿ كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا ﴾ في سورة القمر ( ٩ )، ولكون الفاء الثانية في قوله : فكيف كان نكير } تأكيداً لفظياً للفاء في قوله :﴿ فكذبوا رسلي ﴾.
وقوله :﴿ فكيف كان نكير ﴾ مفرع على قوله :﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾.
و( كيف ) استفهام عن الحالة وهو مستعمل في التقرير والتفريع كقول الحجاج للعُدَيل ابن الفرخ "فكيفَ رأيتَ الله أمْكَنَ منك"، أي أمكنني منك، في قصة هروبه.
فجملتا ﴿ فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ﴾ في قوة جملة واحدة مفرعة على جملة ﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾.
والتقدير : وكذب الذين من قبلهم فكيف كان نكيري على تكذيبهم الرسل، ولكن لما كانت جملة ﴿ وكذب الذين من قبلهم ﴾ مقصوداً منها تسلية الرسول ابتداءً جعلت مقصورة على ذلك اهتماماً بذلك الغرض وانتصاراً من الله لرسوله ﷺ ثم خُصّت عِبرة تسبب التكذيب في العقاب بجملة تخصها تهويلاً للتكذيب وهو من مقامات الإِطناب، فصادف أن كان مضمون الجملتين متحداً اتحاد السبب لمسببين أو العلةِ لمعلولين كعلة السرقة للقطع والغرم.