وقرأ العامَّةُ " مَكْرُ " خفيفَ الراءِ ساكنَ الكاف مضافاً لِما بعده. وابن يعمر وقتادةُ بتنوين " مكرٌ " وانتصابِ الليل والنهار ظرفَيْن. وقرأ أيضاً وسعيد بن جبير وأبو رُزَيْن بفتحِ الكافِ وتشديدِ الراء مضافاً لِما بعده. أي : كُرورُ الليل والنهار واختلافُهما، مِنْ كَرَّ يَكُرُّ، إذا جاء وذهب. وقرأ ابن جُبير أيضاً وطلحة وراشد القارئ - وهو الذي كان يصحِّحُ المصاحفَ أيامَ الحَجَّاج بأمرِه - كذلك إلاَّ أنه بنصبِ الراء. وفيها أوجهٌ، أظهرُها : ما قاله الزمخشري، وهو الانتصابُ على المصدرِ قال :" بل تَكُرُّون الإِغواءَ مَكَرَّاً دائماً لا تَفْتَرُون عنه ". الثاني : النصبُ على الظرفِ بإضمارِ فِعْلٍ أي : بل صَدَدْتُمونا مَكَرَّ الليلِ والنهارِ أي : دائماً. الثالث : أنه منصوبٌ بتَأْمُرُوننا، قاله أبو الفَضل الرازي، وهو غلطٌ ؛ لأنَّ ما بعد المضافِ لا يَعْمل فيما قبلَه إلاَّ في مسألةٍ واحدةٍ : وهي " غير " إذا كانَتْ بمعنى " لا " كقوله :

٣٧٤٨ إنَّ أمْرَأً خَصَّني عَمْداً مَوَدَّتَه على التَّنائي لَعِندي غيرُ مَكْفورِ
وتقريرُ هذا تقدَّمَ أواخرَ الفاتحة.
وجاء قولُه :﴿ قَالَ الذين استكبروا ﴾ بغيرِ عاطفٍ ؛ لأنَّه جوابٌ لقولِ الضَّعَفَةِ، فاسْتُؤْنِفَ، بخلافِ قولِه :﴿ وَقَالَ الذين استضعفوا ﴾ فإنه لَمَّا لم يكنْ جواباً عُطِف. والضميرُ في " وأَسَرُّوا الندامةَ " للجميع : للأتباع والمتبوعين.
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤)
قوله :﴿ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾ : جملةٌ حاليةٌ مِنْ " قرية " وإن كانَتْ نكرةً ؛ لأنَّها في سياقِ النفي.


الصفحة التالية
Icon