قوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ ﴾ أي : إلى هؤلاء المعاصرين لك لم نُرْسِلْ إليهم نذيراً يُشافِهُهم بالنِّذارةِ غيرَك، فلا تَعارُضَ بينَه وبينَ قولِه :﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [ فاطر : ٢٤ ] إذِ المرادُ هناك آثارُ النَّذيرِ، ولا شَكَّ أنَّ هذا كان موجوداً، يَذْهَبُ النبيُّ، وتَبْقَى شريعتُه.
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٥)
قوله :﴿ وَمَا بَلَغُواْ ﴾ الظاهرُ أن الضميرُ في " بَلَغُوا " وفي " آتيناهم " للذين مِنْ قبلهم ليناسِقَ قوله :" فكذَّبُوا رُسُلي " بمعنى : أنهم لم يَبْلُغوا في شُكْر النِّعْمَة وجزاءِ المِنَّةِ مِعْشارَ ما آتيناهم من النعمِ والإِحسانِ إليهم. وقيل : بل ضميرُ الرفع لقريشٍ والنصبِ للذين مِنْ قبلهم، وهو قولُ ابنِ عباس على معنى أنهم كانوا أكثرَ أموالاً. وقيل : بالعكس على معنى : إنَّا أَعْطَيْنا قريشاً من الآياتِ والبراهينِ ما لم نُعْطِ مَنْ قبلَهم.
واخْتُلِفَ في المِعْشار فقيل : هو بمعنى العُشْرِ، بنى مِفْعال مِنْ لفظِ العُشْر كالمِرْبَاع، ولا ثالثَ لهما من ألفاظِ العدد لا يقال : مِسْداسَ ولا مِخْماس. وقيل : هو عُشْرُ العُشْرِ. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيَّة أنكره وقال :" ليس بشيء ". وقال الماوردي :" المِعْشارُ هنا : هو عُشْرُ العُشَيْرِ، والعُشَيْرُ هو عُشْرُ العُشْر، فيكون جزءاً من ألفٍ ". قال :" وهو الأظهرُ ؛ لأنَّ المرادَ به المبالغةَ في التقليل ".