ولما كان فيه ما لا يشك أحد في حقيته، لبسوا عليهم بأنه خيال يوشك أن ينكشف إيقافاً لهم إلى وقت ما، فقال تعالى إخباراً عنهم :﴿وقال﴾ ولما كان الحق قد يخفى، ولم يقيده بالبيان كما فعل في الآيات، أظهر موضع الإضمار بياناً للوصف الحامل لهم على ذلك القول وهو التدليس، فقال :﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا ما دلت عليه العقول من حقية القرآن، ﴿للحق﴾ أي الذي لا أثبت منه باعتبار كمال الحقية فيه ﴿لما جاءهم﴾ أي من غير أن يمهلوا النظر ولا تدبر ليقال إن الداعي لهم إلى ما قالوا نوه شبهة عرضت لهم، بل أظهروا بالمسارعة إلى الطعن أنه مما لا يتوقف فيه، وأكدوا لما تقدم من خوفهم على أتباعهم ليخيلوهم فقالوا :﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي الثابت الذي لا يكون شيء أثبت منه ﴿إلا سحر﴾ أي خيال لا حقيقة له ﴿مبين﴾ أي ظاهر العوار جداً، فهو ينادي على نفسه بذلك، فلا تغتروا بما فيه مما تميل النفوس ويؤثر في القلوب، ولقد انصدّ لعمري بهذا التلبيس - مع أن في نسبتهم له إلى السحر الاعتراف بالعجز - بشر كثير برهة حتى هدى الله بعضهم، وتمادى بالآخرين الأمر حتى ماتوا على ضلالهم، مع أنه كان ينبغي لكل من رأى مبادرتهم وتحرقهم أن يعرف أنهم متغرضون، لم يحملهم على ذلك إلا الحظوظ النفسانية، والعلق الشهوانية، قال الطفيل ابن عمرو الدوسي ذو النور ـ رضى الله عنه ـ : لقد اكثروا عليّ في أمره حتى حشوت في أذنيّ الكرسف خوفاً من أن يخلص إلى شيء من كلامه فيفتنني، ثم أراد الله بي الخير فقلت : واثكل أمي إني والله لبيب عاقل شاعر، ولي معرفة بتمييز غث الكلام من سمينه، فما لي لا أسمع منه، فإن كان حقاً تبعته، وإن كان باطلاً كنت منه على بصيرة - أو كما قال، قال : فقصدت النبي ـ ﷺ ـ فقلت : اعرض عليّ ما جئت به، فلما عرضه عليّ بأبي هو وأمي ما سمعت قولاً قط أحسن منه ولا أمراً أعدل منه فما توقفت في أن أسلمت، ثم سأل النبي ـ صلى الله