وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)
معنى هذه الآية أنهم يقولون بآرائهم في كتاب الله فيقول بعضهم سحر، وبعضهم افتراء، وذلك منهم تسور لا يستندون فيه إلى إثارة علم ولا إلى خبر من يقبل خبره، فإنا ما آتيناهم كتباً يدرسونها ولا أرسلنا إليهم نذيراً فيمكنهم أن يدعوا أن أقوالهم تستند إلى أمره، وقرأ جمهور الناس " يدْرسونها " بسكون الدال، وقرأ أبو حيوة " يدَّرِسونها " بفتح الدال وشدها وكسر الراء - والمعنى وما أرسلنا من نذير يشافههم بشيء ولا يباشر أهل عصرهم ولا من قرب من آبائهم، وإلا فقد كانت النذارة في العالم وفي العرب مع شعيب وصالح وهود ودعوة الله وتوحيده قائم لم تخل الأرض من داع إليه، فإنما معنى هذه الآية ﴿ من نذير ﴾ يختص بهؤلاء الذين بعثناك إليهم، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل، والله تعالى يقول : إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيّاً ولكن لم يتجرد للنذارة وقاتل عليها إلا محمد ﷺ، ثم مثل لهم بالأمم المكذبة قبلهم، وقوله ﴿ وما بلغوا معشار ما آتيناهم ﴾ يحتمل ثلاثة معان : أحدها أن يعود الضمير في ﴿ بلغوا ﴾ على قريش، وفي ﴿ آتيناهم ﴾ على الأمم ﴿ الذين من قبلهم ﴾، والمعنى من قوة والنعم والظهور في الدنيا، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، والثاني أن يعود الضمير في ﴿ بلغوا ﴾ على الأمم المتقدمة وفي ﴿ آتيناهم ﴾ على قريش، والمعنى من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به، والثالث أن يعود الضميران على الأم المتقدمة، والمعنى من شكر النعمة وجزاء المنة و" المعشار "، ولم يأت هذا البناء إلا في العشرة والأربعة فقالوا : مرباع ومعشار وقال قوم : المعشار عشر العشر.