فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي ﴾
هذا فيه تقرير الرسالة أيضاً وذلك لأن الله تعالى قال على سبيل العموم :﴿مَّنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ﴾ [ الزمر : ٤١ ] وقال في حق النبي ﷺ :﴿وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبّى﴾ يعني ضلالي على نفسي كضلالكم، وأما اهتدائي فليس بالنظر والاستدلال كاهتدائكم، وإنما هو بالوحي المبين، وقوله :﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ﴾ أي يسمع إذا ناديته واستعديت به عليكم قريب يأتيكم من غير تأخير، ليس يسمع عن بعد ولا يلحق الداعي.
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٥١)
لما قال :﴿سَمِيعٌ﴾ قال هو قريب فإن لم يعذب عاجلاً ولا يعين صاحب الحق في الحال فيوم الفزع آت لا فوت، وإنما يستعجل من يخاف الفوت.
وقوله :﴿وَلَوْ تَرَى﴾ جوابه محذوف أي ترى عجباً ﴿وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ لا يهربون وإنما الأخذ قبل تمكنهم من الهرب.
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)
أي بعد ظهور الأمر حيث لا ينفع إيمان، قالوا آمنا ﴿وأنى لَهُمُ التناوش﴾ أي كيف يقدرون على الظفر بالمطلوب وذلك لا يكون إلا في الدنيا وهم في الآخرة والدنيا من الآخرة بعيدة، فإن قيل فكيف قال كثير من المواضع إن الآخرة من الدنيا قريبة، ولهذا سماها الله الساعة وقال :﴿لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ﴾ [ الشورى : ١٧ ] نقول الماضي كالأمس الدابر بعدما يكون إذ لا وصول إليه، والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنين فإنه آت، فيوم القيامة الدنيا بعيدة لمضيها وفي الدنيا يوم القيامة قريب لإتيانه والتناوش هو التناول عن قرب.
وقيل عن بعد، ولما جعل الله الفعل مأخوذاً كالجسم جعل ظرف الفعل وهو الزمان كظرف الجسم وهو المكان فقال :﴿مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ﴾ والمراد ما مضى من الدنيا.