" فصل فى ذكر قراءات السورة كاملة "
قال العلامة ابن جنى :
سورة فاطر :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قرا الضحاك :"الْحَمْدُ لِلَّهِ فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"١.
قال أبو الفتح : هذا على الثناء على الله "سبحانه"، وذكر النعمة التي استحق بها الحمد. وأفرد ذلك في الجملة التي هي "جعل" بما فيها من الضمير، فكان أذهب في معنى الثناء ؛ لأنه٢ جملة بعد جملة. وكلما زاد الإسهاب في الثناء أو الذم كان أبلغ فيهما ألا ترى إلى قول خِرنِق٣ :
لا يَبعَدًا قومِي الذين هُمُ سمُّ العُدَاة وَآفَةُ الجُزْرِ
النازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ والطَّيِّبِينَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ
ويروى : النازلون والطيبون، والنازلين والطيبون، والطيبين والنازلون. والرفع على هُمُ، والنصب على أعني. فكلما اختلفتِ الجملُ كان الكلام أفانينَ وضروبا، فكان أبلغ منه إذا أُلْزِم شرحًا واحدًا. فقولك : أُثْنِي على الله، أعطانا فأغنى، أبلغ من قولك : أُثْنِي على الله، المعطينا والمغنينا ؛ لأن معك هنا جملة واحدة، وهناك ثلاث جمل.
ويدلك على صحة هذا المعنى قراءة الحسن :"جَاعِلُ الْمَلائِكَةِ"، بالرفع ؛ فهذا على قولك : هو جاعل الملائكة، ويشهد به أيضا قراءة خليد بن نشيط :"جَعَلَ الْمَلائِكَةَ".
قال أبو عبيدة : إذا طال الكلام خرجوا من الرفع إلى النصب، ومن النصب إلى الرفع. يريد ما نحن عليه ؛ لتختلف ضروبه، وتتباين تراكيبه.
ومن ذلك قراءة عيسى الثقفي :"سَيْغٌ شَرَابُهُ"٤.
١ سورة فاطر : ١.
٢ في ك : لأنها.
٣ شاعرة جاهلية من بني ضبيعة رهط الأعشى، وقيل غير ذلك. والعداة : الأعداء، جمع عاد. والجزر : جمع الجزور، وهي الناقة التي تنحر، وسكنت زاي الجزر للتخفيف. والطيبون معاقد الأزر : كناية عن العفة. وانظر الكتاب : ١ : ١٠٤، ٢٤٦، ٢٤٩، والخزانة : ٢ : ٣٠١ وما بعدها، والدرر اللوامع : ٢ : ١٥٠.
٤ سورة فاطر : ١٢


الصفحة التالية
Icon