و لكل وجهته، وقال تعالى "إِنَّ اللَّهَ" الذي خلقهم أزلا "عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ" ٨ قبل أن يصنعوه وعليم بما يصنعونه بعد وما هم صائرون إليه، وإنما أظهر صنعهم لخالقه ليعرفوه.
وهذا آخر ما نزل في أبي جهل وإخوانه في هذه السورة.
وقال الضحاك إن القسم الأخير منها نزل في عمر رضي اللّه عنه فهو الذي هداه اللّه والحق العموم فيهما وفيمن هو على شاكلتها إلى يوم القيمة، ثم ذكر شيئا من كمال قدرته فقال :
مطلب الفرق بين ميّت وميت وأن العزة من اللّه :
"وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ" بالتشديد وقريء بالتخفيف وهما بمعنى واحد على المشهور.
وقد خصص بعضهم المخفف بالميت حقيقة والمنقل والمائت بالذي لم يمت بعد، الذي على وشك الموت أي يكاد يموت، واستدل بقول القائل :
ومن يك ذا روح فذلك ميّت وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
وقول الآخر :
ليس من مات فاستراح بميّت إنما الميّت ميّت الأحياء
إنما الميّت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء
والمعوّل على الأول.
والإثارة خاصة بالرياح "فَأَحْيَيْنا بِهِ" أي الغيث الناشئ عن السحاب المثار، وعبر عن الميّت بقوله "الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها" بالنبات الناشئ عن هطول الغيث عليها "كَذلِكَ" مثل هذا الإحياء للأرض يكون "النُّشُورُ" ٩ للأموات من البشر حين يقومون من قبورهم فكيف يجحدون البعث بعد أن شاهدوا ما هو من نوعه ؟ روى ابن الجوزي عن أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول اللّه كيف يحيي اللّه الموتى وما آية ذلك في خلقه ؟ قال هل مررت بواد أهلك محلا، ثم مررت به يهتزّ خضرا ؟ قلت نعم قال كذلك يحيي اللّه الموتى وتلك آيته في خلقه.


الصفحة التالية