وظاهر الآية نص في الحمل الاختياري فيكون ردا لقول المضلين ولتحمل خطاياكم، يؤيده سبب النزول وهو كما روى عن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعليّ وزركم فنزلت هذه الآية، إلا أن المنفي عام وعمومه ينافي اختصاصه بالاختيار، لأنه يعم أقسام الحمل، جبرا أو اختيارا.
قال تعالى يا أكرم الرسل "إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ" من حيث لم يروه فهم الذين تنفعهم الذكرى بوعظك وإنذارك لاولئك المشركين "وَأَقامُوا الصَّلاةَ" معك ابتغاء مرضات اللّه فيصلون معك من غير أن أفرضها عليهم اقتداء بك ونأسيا بأفعالك، وذلك أن الركعتين اللتين فرضهما اللّه على رسوله كانتا خاصتين به يؤديهما في الغداة والعشية ولم يأمر أحدا من أصحابه بفعلها لان اللّه لم يأمره بذلك وكان بعض أصحابه يفعلونها تأسيا بفعله ليس إلا، وهذا المراد واللّه أعلم من هذه الصلاة لان الصلاة المكتوبة لم تفرض بعد كما نوهنا به غير مرة عند كل ذكر لفظ الصلاة "وَمَنْ تَزَكَّى" من أوزار المعاصي بفعل الطاعات والقربات وصلى معك هذه الصلاة من غير أن تفرض عليه قصد
التطهير لنفسه وتزكيتها "فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ" خاصة لأنه هو المنتفع بها.
وقرأ ابن مسعود وطلحة (أزكى) بإدغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في ابتداء، وهي قراءة شاذة لا عبرة بها لما ذكرنا غير مرة أن كل قراءة فيها زيادة حرف أو نقصه أو تبديله لا قيمة لقول من يقول بها "وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" ١٨ لا إلى غيره فيجازى الدنس على رجسه والمتزكي على طهارته، ثم ضرب اللّه مثالا آخر للجاهل والمؤمن فقال "وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ" ١٩ وللكافر والمؤمن بقوله "وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ" ٢٠


الصفحة التالية
Icon