"وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ" يا سيد الرسل "مِنَ الْكِتابِ" هو من كلامنا الأزلى ليس بسحر ولا كهانه ولا شعر، وإنما "هُوَ الْحَقُّ" الذي لا مرية فيه وقد أنزلناه "مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ" من الكتب المتقدمة لاشتماله عليها وزيادة كثيرة لم تذكر فيها ولم تنزل على أحد قبلك، لأنه خاتمة الكتب أنك خاتم الرسل وهو ناسخ لكل ما يخالفه مما في الكتب القديمة "إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ" ٣١ ببواطن الأمور وظواهرها، يحيط بهم لا يخفى عليه شيء من أمرهم "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ" القرآن المنزل عليك يا سيد الرسل "الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا" أمتك المخلصين الجارين على طريقك، لأننا اصطفيناهم لك من بعدهم كما اصطفيناك لهم من بعد الرسل، قال ابن عباس يريد أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، لأنه اصطفاهم على سائر الأمم، واختصّهم بكرامته، بأن جعلهم اتباع سيد الرسل، وخصّهم بأفضل الكتب، وجعلهم خير الأمم ثم قسمهم جل شأنه أقساما ثلاثة فقال "فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ" وهم المرجون لأمر اللّه مثل الآتي ذكرهم في الآية ١٠٨ من سورة التوبة في ج ٣ فهؤلاء إن شاء عذّبهم بعدله، وإن شاء عفا عنهم بفضله "وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ" خلط عملا صالحا وآخر سيئا وهؤلاء مقطوع لهم بالنتيجة بأنهم من أهل الجنة، لقوله تعالى "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ" الآية ١٠٤ من سورة التوبة لأن عسى فيها للتحقيق وهكذا كل عسى بالبينة للّه تعالى "وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ" وهؤلاء يدخلون الجنة بغير