ويكون "سُوءُ عَمَلِهِ" الشرك.
وقال : إنها نزلت في العاص بن وائل السَّهْمِي والأسود بن المطلب.
وقال غيره : نزلت في أبي جهل بن هشام.
﴿ فَرَآهُ حَسَناً ﴾ أي صواباً ؛ قاله الكلبيّ.
وقيل : جميلاً.
قلت : والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال ؛ لقوله تعالى :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٧٢ ]، وقوله :﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِي الكفر ﴾ [ آل عمران : ١٧٦ ]، وقوله :﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً ﴾ [ الكهف : ٦ ]، وقوله :﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ٣ ]، وقوله في هذه الآية :﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾.
وهذا ظاهر بيّن، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم، فإن الله أضلهم.
وهذه الآية تردّ على القدرية قولهم على ما تقدم ؛ أي أفمن زُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسناً تريد أن تهديه، وإنما ذلك إلى الله لا إليك، والذي إليك هو التبليغ.
وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن مُحَيْصن :"فَلاَ تُذهِب" بضم التاء وكسر الهاء "نفسَك" نصباً على المفعول، والمعنيان متقاربان.
"حَسَرَاتٍ" منصوب مفعول من أجله ؛ أي فلا تذهب نفسك للحسرات.
و"عَلَيْهم" صلة "تذهب"، كما تقول : هلك عليه حُبًّا ومات عليه حزناً.
وهو بيان للمتحسر عليه.
ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته.
ويجوز أن يكون حالاً كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ؛ كما قال جرير :
مَشقَ الهواجِرُ لحمَهُنَّ مع السُّرَى...
حتى ذَهَبْنَ كَلا كِلاً وَصُدُورا
يريد : رجعن كَلاَ كِلاً وصدوراً ؛ أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها.
ومنه قول الآخر :
فعلى إثرهم تساقط نفسِي...
حسرات وذكرهم لي سقام
أو مصدراً.
﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon