ولما كان السبب في الحياة هو السحاب بما ينشأ عنه من الماء قال :﴿فأحيينا به الأرض﴾ ولما كان المراد إرشادهم إلى القدرة على البعث الذي هم به مكذبون، قال رافعاً للمجاز بكل تقدير وموضحاً كل الإيضاح للتصوير :﴿بعد موتها﴾ ولما أوصل الأمر إلى غايته، زاد في التنبيه على نعمة الإيجاد الثاني بقوله :﴿كذلك﴾ أي مثل الإحياء لميت النبات ﴿النشور﴾ حسّاً للأموات، ومعنى للقلوب والنبات، قال القشيري : إذا أراد إحياء قلب يرسل أولاً رياح الرجاء، ويزعج بها كوامن الإرادة، ثم ينشىء فيه سحاب الاهتياج، ولوعة الانزعاج، ثم يأتي مطر الحق فينبت في القلب أزهار البسط وأنوار الروح، ويطيب لصاحبه العيش إلى أن تتم لطائف الإنس.
ولما قرر بهذا كله ما أثبته سابقاً من عزته وحكمته وثبت أنه قادر على النشور فثبت أن له العزة في الآخرة كما شوهد ذلك في الدنيا، وكانت منافسه الناس لا سيما الكفرة في العزة فوق منافستهم في الحكمة، ومن نافس في الحكمة فإنما ينافس فيها لاكتساب العزة، وكان الكفرة إنما عبدوا الأوثان ليعتزوا بها كما قال :﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزّاً﴾ [ مريم : ٨١ ] قال مستنتجاً من ذلك :﴿من كان﴾ أي في وقت من الأوقات ﴿يريد العزة﴾ أي أن يكون محتاجاً إليه غيره وهو غني عن غيره غالباً غير مغلوب ﴿فلله﴾ أي وحده ﴿العزة جميعاً﴾ أي فليطلبها منه ولا يطلبها من غيره، فإنه لا شيء لغيره فيها ومن طلب الشيء من غير صاحب خاب ؛ قال ابن الجوزي : وقد روي عن أنس ـ رضى الله عنه ـ عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال :" إن ربكم يقول كل يوم : أنا العزيز فمن أرادة عزة الدارين فليطع العزيز ".