قال الزمخشري المكر لا يتعدى فبم انتصاب السيئات ؟ وقال بأن معناه الذين يمكرون المكرات السيئات فهو وصف مصدر محذوف، ويحتمل أن يقال استعمل المكر استعمال العمل فعداه تعديته كما قال تعالى :﴿الذين يَعْمَلُونَ السيئات﴾ [ العنكبوت : ٤ ] وفي قوله :﴿الذين يَعْمَلُونَ السيئات﴾ يحتمل ما ذكرناه أن يكون السيئات وصفاً لمصدر تقديره الذين يعملون العملات السيئات، وعلى هذا فيكون هذا في مقابلة قوله :﴿والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾ إشارة إلى بقائه وارتقائه ﴿وَمَكْرُ أولئك﴾ أي العمل السيء ﴿وَهُوَ يَبُورُ﴾ إشارة إلى فنائه.
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
قد ذكرنا مراراً أن الدلائل مع كثرتها وعدم دخولها في عدد محصور منحصرة في قسمين دلائل الآفاق ودلائل الأنفس، كما قال تعالى :﴿سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الأفاق وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [ فصلت : ٥٣ ] فلما ذكر دلائل الآفاق من السموات وما يرسل منها من الملائكة والأرض وما يرسل فيها من الرياح شرع في دلائل الأنفس، وقد ذكرنا تفسيره مراراً وذكرنا ما قيل من أن قوله :﴿مِّن تُرَابٍ﴾ إشارة إلى خلق آدم ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ إشارة إلى خلق أولاده، وبينا أن الكلام غير محتاج إلى هذا التأويل بل ﴿خَلَقَكُمْ﴾ خطاب مع الناس وهم أولاد آدم كلهم من تراب ومن نطفة لأن كلهم من نطفة والنطفة من غذاء، والغذاء بالآخرة ينتهي إلى الماء والتراب، فهو من تراب صار نطفة.