وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَاَلَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾.
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ :﴿ يَصْعَدُ ﴾ ؛ وَالصُّعُودُ هُوَ الْحَرَكَةُ إلَى فَوْقَ، وَهُوَ الْعُرُوجُ أَيْضًا.
وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ، وَلَكِنْ ضَرَبَ صُعُودَهُ مَثَلًا لِقَبُولِهِ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الثَّوَابِ فَوْقَ، وَمَوْضِعَ الْعَذَابِ أَسْفَلَ.
وَالصُّعُودُ رِفْعَةٌ وَالنُّزُولُ هَوَانٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ التَّوْحِيدُ الصَّادِرُ عَنْ عَقِيدَةٍ طَيِّبَةٍ.
الثَّانِي : مَا يَكُونُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ.
الثَّالِثُ : مَا لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَظٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ :﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ ﴾ : هُوَ الْمُوَافِقُ لِلسُّنَّةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ :﴿ يَرْفَعُهُ ﴾ : قِيلَ الْفَاعِلُ فِي يَرْفَعُهُ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ أَيْ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ، كَمَا أَنَّهُ إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الَّذِي يُصْعِدُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، وَقَدْ قَالَ السَّلَفُ بِالْوَجْهَيْنِ، وَهُمَا صَحِيحَانِ.
فَالْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّافِعُ الْخَافِضُ.
وَالثَّانِي مَجَازٌ ؛ وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ سَائِغٌ.