(الرَّابِعُ) : وَهُوَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُنْبِئَةٌ عَنْ أَمْرٍ سَيَقَعُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَادِثَةُ (الْقَرَامِطَةِ) الَّذِينَ هَدَمُوا الْكَعْبَةَ وَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَهَدَمُوا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ، كَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي طَعْنِ الْيَهُودِ مِنْهُمْ بِالنَّصَارَى وَقَوْلِهِمْ فِيهِمْ : إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَطَعْنِ النَّصَارَى فِي الْيَهُودِ كَذَلِكَ، وَبَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ : إِنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا سَيَقَعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْبَأَ اللهُ - تَعَالَى - بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ فَوَقَعَتْ، وَكَانَتْ حَادِثَتُهُمْ مِنْ أَكْبَرِ الْأَحْدَاثِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمُ اسْتَوْلَوْا عَلَى جُزْءٍ كَبِيرٍ مِنْ مَمَالِكِ الْإِسْلَامِ وَهَدَمُوا الْمَسَاجِدَ، وَعَاثُوا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ عَلَى طُولِهَا مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ مِثْلَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ (الْقَرَامِطَةِ) فَالْآيَاتُ عَلَى هَذَا مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ جَمِيعِ الْمِلَلِ.