وَأَمْرُ التَّكْلِيفِ يُخَاطَبُ بِهِ الْعَاقِلُ فَيُسَمَّى الْمُكَلَّفَ، وَلَا يُخَاطَبُ بِهِ غَيْرُهُ فَضْلًا عَنِ الْمَعْدُومِ، وَأَمْرُ التَّكْوِينِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَعْدُومِ كَمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَوْجُودِ ؛ إِذِ الْمُرَادُ بِهِ جَعْلُهُ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ، فَاللهُ - تَعَالَى - يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَأَنَّهُ سَيُوجَدُ فِي وَقْتِ كَذَا. فَتَتَعَلَّقُ إِرَادَتُهُ بِوُجُودِهِ عَلَى حَسَبِ مَا فِي عِلْمِهِ فَيُوجَدُ. وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يُسَمِّيهِ الْأَمْرَ الْقَدَرِيَّ الْكَوْنِيَّ، وَيُسَمِّي مُقَابِلَهُ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ (فَيَكُونُ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِضَمِّ النُّونِ عَلَى تَقْدِيرِ فَهُوَ يَكُونُ كَمَا أَرَادَ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْأَنْعَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْفَاءِ يَكُونُ مَنْصُوبًا.
ذَلِكَ شَأْنُهُ - تَعَالَى - فِي الْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ، وَهُوَ أَغْمَضُ أَسْرَارِ الْأُلُوهِيَّةِ، فَمَنْ عَرَفَ حَقِيقَتَهُ فَقَدْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْمُبْدِعِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ مَا لَا مَطْمَعَ فِيهِ. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا السِّرِّ بِهَذَا التَّعْبِيرِ


الصفحة التالية
Icon